تكفيره ولا نفاق. فظهر من التقسيم أن المنافق هو الذي لا يطابق ظاهره باطنه سواء كان في باطنه ما يضاد ظاهره أو كان باطنه خاليا عما يشعر به ظاهره، ومنه «النافقاء إحدى حجرة اليربوع يكتمها ويظهر غيرها» فإذا أتى من قبل القاصعاء ضرب النافقاء برأسه فانتفق أي خرج.
الثانية: زعم قوم أن الكفر الأصلي أقبح من النفاق، لأن الكافر جاهل بالقلب كاذب باللسان، والمنافق جاهل بالقلب صادق باللسان. وقال الآخرون: المنافق أيضا كاذب باللسان لأنه يخبر عن كونه على ذلك الاعتقاد مع أنه ليس عليه. قال عز من قائل: وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ [المنافقون: ١] وأيضا إنه قصد التلبيس والكافر الأصلي لا يقصد ذلك. وأيضا الكافر الأصلي على طبع الرجال، والمنافق على طبيعة الخنائي. وأيضا الكافر ما رضي لنفسه بالكذب بل استنكف منه، والمنافق رضي بالكذب. وأيضا المنافق ضم إلى الكفر الاستهزاء والخداع دون الكافر الأصلي، ولغلظ كفر المنافقين قال الله تعالى:
إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء: ١٤٥] ووصف حال الكفار في آيتين وحال المنافقين في ثلاث عشرة آية، نعى عليهم فيها خبثهم ونكرهم وفضحهم وسفههم واستجهلهم واستهزأ بهم وتهكم بفعلهم وسجل بطغيانهم وعمههم ودعاهم صما بكما عميا وضرب لهم الأمثال الشنيعة.
الثالثة: قصة المنافقين عن آخرها معطوفة على قصة «الذين كفروا» كما تعطف الجملة على الجملة. وأصل ناس أناس بدليل إنسان وإنس وأناسي. حذفت الهمزة تخفيفا، مع لام التعريف كاللازم. وقوله «إن المنايا يطلعن على الإناس الآمنينا» قليل. ونويس من المصغر الآتي على خلاف مكبره كأنيسيان. سموا بذلك لظهورهم وأنهم يؤنسون أي يبصرون كما سمي الجن لاجتنانهم. ووزن ناس فعال لأن الزنة على الأصول كما يقال وزن ق أفعل وهو اسم جمع كرخال للأنثى من أولاد الضأن. وأما الذي مفرده رخل بكسر الراء فرخال بكسر الراء. «ومن» في «من يقول» موصوفة إن جعلت اللام في الناس للجنس كقوله مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ [الأحزاب: ٢٣] ليكون معنى الكلام أن في جنس الإنس طائفة كيت وكيت، فيعود فائدة الكلام إلى الوصف. وإن لم يكن مفيدا من حيث الحمل لأن الطائفة الموصوفة تكون لا محالة من الناس، ولا يجوز أن تكون «من» موصولة حينئذ، لأن الصلة تكون جملة معلومة الانتساب إلى الموصول فتبطل فائدة الوصف، فيبقى الكلام غير مفيد رأسا. وإن جعلت اللام للعهد فمن تكون موصولة نحو وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ