للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التوبة: ٦١] وتكون اللام إشارة إلى الذين كفروا لما ذكرهم، ولا يجوز أن تكون «من» موصوفة إذ ذاك، لأن فائدة الكلام تعود إلى الوصف أيضا، ولكن لا يجاوبه نظم الكلام إذ يصير المعنى أن من المختوم على قلوبهم طائفة يقولون كيت وكيت وما هم بمؤمنين. ومن البين أن مدلول قوله «وما هم بمؤمنين» معلوم من حال المطبوع على قلوبهم فيقع ذكره ضائعا، والضمير العائد إلى «من» يكون موحدا تارة باعتبار اللفظ نحو وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً [الأنعام: ٢٥] ومجموعا أخرى باعتبار المعنى مثل وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ [يونس: ٤٢] وقد اجتمع الاعتباران في الآية في «يقول» و «آمنا» . وإنما اختص بالذكر الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر لأنهما قطرا الإيمان، ومن أحاط بهما فقد حاز الإيمان بحذافيره. وفي تكرير الباء إيذان بأنهم ادعوا كل واحد من الإيمانين على صفة الصحة والاستحكام. فإن قلت: إن كان هؤلاء المنافقون من المشركين فظاهر عدم إيمانهم بالله واليوم الآخر، وإن كانوا من اليهود فكيف يصح ذلك؟ قلت: إيمان اليهود بالله ليس بإيمان لقولهم «عزير ابن الله» وكذلك إيمانهم باليوم الآخر لأنهم يعتقدونه على خلاف صفته. فقولهم هذا لو صدر عنهم لا على وجه النفاق بل على عقيدتهم فهو كفر لا إيمان.

فإذا قالوه على وجه النفاق خديعة واستهزاء وتخييلا للمسلمين أنهم مثلهم في الإيمان الحقيقي كان خبثا إلى خبث وكفرا إلى كفر. والمراد باليوم الآخر إما طرف الأبد الذي لا ينقطع لأنه متأخر عن الأوقات المنقضية، أو الوقت المحدود من النشور إلى أن يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، لأنه آخر الأوقات المحدودة التي لا حد للوقت بعده. فإن قلت: كيف طابق قوله «وما هم بمؤمنين» قولهم «آمنا» والأول في ذكر شأن الفعل لا الفاعل، والثاني بالعكس؟ قلت: لما أتوا بالجملة الفعلية ليكون معناها أحدثنا الدخول في الإيمان لتروج دعواهم الكاذبة، جيء بالجملة الاسمية ليفيد نفي ما انتحلوا إثباته لأنفسهم على سبيل ألبت والقطع وأنهم ليس لهم استئهال أن يكونوا طائفة من طوائف المؤمنين، فكان هذا أوكد وأبلغ من أن يقال: إنهم لم يؤمنوا. ونظير الآية قوله تعالى يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها [البقرة: ١٦٧] . ثم إن قوله «وما هم بمؤمنين» يحتمل أن يكون مقيدا وترك لدلالة التقييد في «آمنا» . ويحتمل الإطلاق أي أنهم ليسوا من الإيمان في شيء قط، لا من الإيمان بالله وباليوم الآخر ولا من الإيمان بغيرهما.

البحث الثاني: في قوله يُخادِعُونَ اللَّهَ إلى يَكْذِبُونَ.

اعلم أن الله ذكر من قبائح أفعال المنافقين أربعة أشياء: أحدها المخادعة وأصلها

<<  <  ج: ص:  >  >>