الإخفاء، ومنه سميت الخزانة المخدع. والأخدعان عرفان في العنق خفيان. وخدع الضب خدعا إذا توارى في جحره فلم يظهر إلا قليلا. والخديعة مذمومة لأنها إظهار ما يوهم السداد والسلامة وإبطان ما يقتضي الإضرار بالغير أو التخلص منه، فهي بمنزلة النفاق في الكفر والرياء في الأفعال الحسية. فإن قيل: مخادعة الله والمؤمنين لا تصح لأن العالم الذي لا يخفى عليه خافية لا يخدع، والحكيم الحليم الذي لا يفعل القبيح لا يخدع، والمؤمنين وإن جاز أن يخدعوا كما قال ذو الرمة:
تلك الفتاة التي علقتها عرضا ... إن الحليم ذا الإسلام يختلب
لم يجز أن يخدعوا. قلنا: كانت صورة صنعهم مع الله- حيث يتظاهرون بالإيمان وهم كافرون- صورة صنع الخادعين، وصورة صنع الله معهم- حيث أمر بإجراء أحكام المسلمين عليهم وهم عنده أهل الدرك الأسفل من النار- صورة صنع الخادع، وكذلك صورة صنع المؤمنين معهم- حيث امتثلوا أمر الله فيهم فأجروا أحكامه عليهم. ويحتمل أن يكون ذلك ترجمة عن معتقدهم وظنهم أن الله ممن يصح خداعه، لأنه من كان ادعاؤه الإيمان بالله تعالى نفاقا لم يكن عارفا بالله ولا بصفاته، فلم يبعد من مثله تجويز أن يكون الله مخدوعا ومصابا بالمكروه من وجه خفي، أو تجويز أن يدلس على عباده ويخدعهم. ويحتمل أن يذكر الله ويراد الرسول لأنه خليفته والناطق بأوامره ونواهيه مع عباده إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ [الفتح: ١٠] . ويحتمل أن يكون من قولهم «أعجبني زيد وكرمه» فيكون المعنى يخادعون الذين آمنوا بالله، وفائدة هذه الطريقة قوة الاختصاص. ولما كان المؤمنون من الله بمكان سلك بهم هذا المسلك ومثله وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ [التوبة: ٦٢] إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأحزاب: ٥٧] وقولهم «علمت زيدا فاضلا» الغرض ذكر الإحاطة بفضل زيد، لأن زيدا كان معلوما له قديما كأنه قيل: علمت فضل زيد ولكن ذكره توطئة وتمهيدا. ووجه الاختصار بخادعت على واحد أن يقال: عني به فعلت إلا أنه أخرج في زنة «فاعلت» لأن الزنة في أصلها للمغالبة والمباراة، والفعل متى غولب فيه فاعله جاء أبلغ وأحكم منه إذا زاوله وحده من غير مغالب ولا مبار لزيادة قوة الداعي إليه.
«ويخادعون» بيان ليقول، ويجوز أن يكون مستأنفا كأن قيل: ولم يدعون الإيمان كاذبين؟
فقيل: يخادعون. وكان غرضهم من الخداع الدفع عن أنفسهم أحكام الكفار من القتل والنهب وتعظيم المسلمين إياهم وإعطائهم الحظوظ من المغانم واطلاعهم على أسرار المسلمين لاختلاطهم بهم. والسؤال الذي يذكر هاهنا من أنه تعالى لم أبقى المنافق على