حاله من النفاق ولم يظهر أمره حتى لا يصل من أغراض الخداع إلى ما وصل؟ وأرد على استبقاء الكفار وسائر أعداء الدين، بل على استبقاء إبليس وذريته وتنحل العقدة في الجميع بما سلف لنا من الحقائق ولا سيما في تفسير قوله تعالى خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ [البقرة:
٧] وقراءة من قرأ وما يخادعون إلا أنفسهم [البقرة: ٩] أي وما يعاملون تلك المعاملة المضاهية لمعاملة المخادعين إلا أنفسهم، لأن مكرها يحيق بهم ودائرتها تدور عليهم لأن الله تعالى يدفع ضرر الخداع عن المؤمنين ويصرفه إليهم كقوله إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ
[النساء: ١٤٢] ويحتمل أن يراد حقيقة المخادعة لأنهم يخدعون أنفسهم حيث يمنونها الأباطيل، وأنفسهم أيضا تمنيهم وتحدثهم بالأكاذيب. وأن يراد «وما يخدعون» فجيء به على لفظ يفاعلون للمبالغة. والنفس ذات الشيء وحقيقته ولا يختص بالأجسام لقوله تعالى تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي [المائدة: ١١٦] والشعور علم الشيء علم حس ومشاعر الإنسان حواسه. والمعنى أن لحوق ضرر ذلك بهم كالمحسوس، وهم لتمادي غفلتهم كالذي لا حس له. والمرض حالة توجب وقوع الخلل في الأفعال الصادرة عن موضوعها، واستعمال المرض في القلب يجوز أن يكون حقيقة بأن يراد الألم كما تقول: في جوفه مرض. ومجازا بأن يستعار لبعض أعراض القلب كسوء الاعتقاد والغل والحسد والميل إلى المعاصي، فإن صدورهم كانت تغلي على الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين غلا وحنقا وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ [آل عمران: ١١٩] وناهيك بما كان من ابن أبي، وقول سعد بن عبادة لرسول صلى الله عليه وسلم اعف عنه يا رسول الله واصفح، فو الله لقد أعطاك الله الذي أعطاك، ولقد اصطلح أهل هذه البحيرة أن يعصبوه بالعصابة- وذلك شيء منظوم بالجواهر شبه التاج- أي يجعلوه ملكا، فلما رد الله ذلك بالحق الذي أعطاكه شرق بذلك. أو يراد ما يداخل قلوبهم من الضعف والخور لأنهم كانوا يطمعون أن ريح الإسلام تهب حينا ثم تركد، فكانت تقوى قلوبهم بذلك الطمع. فلما شاهدوا شوكة المسلمين وإعلاء كلمة الحق وما قذف الله في قلوبهم من الرعب ضعفت جبنا وخورا. ومعنى زيادة الله إياهم مرضا أنه كلما أنزل على رسوله الوحي فكفروا به ازدادوا كفرا إلى كفرهم، فأسند الفعل إلى المسبب له كما أسند إلى السورة في قوله فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ [التوبة: ١٢٥] وهذا كما قال الحكيم: البدن الغير النقي كلما فدوته زدته شرا.
وكلما زاد رسوله نصرة وتبسطا ازدادوا حسدا وبغضا. ويحتمل أن يراد بزيادة المرض الطبع، ويحتمل أن يقال: الغل والحسد قد يفضي إلى تغير مزاج القلب ويؤدي إلى تلف صاحبه كقوله: