للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اصبر على مضض الحسو ... د فإن صبرك قاتله

النار تأكل نفسها ... إن لم تجد ما تأكله

فإفضاء صاحبه إلى الهلاك هو المعني بالزيادة. والأليم الوجيع. ووصف العذاب به على طريقة قولهم «جد جده» والألم بالحقيقة للمؤلم كما أن الجد للجاد. والمراد بكذبهم قولهم «آمنا بالله وباليوم الآخر» . وفي ترتب الوعيد على الكذب دليل على قبح الكذب وسماجته. وما

يروى عن إبراهيم صلى الله عليه وسلم أنه كذب ثلاث كذبات أحدها قوله إِنِّي سَقِيمٌ [الصافات: ٨٩] وثانيها قوله لسارة حين أراد أن يغصبها ظالم «إنها أختي» وثالثها قوله بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا [الأنبياء: ٦٣] فالمراد التعريض

«إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب» «١»

ولكن لما كانت صورته صورة الكذب سمي به. والكذب الإخبار بالشيء على خلاف ما هو به، وقد يعتبر فيه علم المخبر بكون المخبر عنه مخالفا للخبر، والصدق نقيضه. وقراءة من قرأ «يكذبون» بالتشديد إما من كذبه الذي هو نقيض صدقه، وإما من كذب الذي هو مبالغة في كذب كما بولغ في صدق فقيل «صدق» نحو: بان الشيء وبين الشيء ومنه قوله:

قد بين الصبح لذي عينين أو بمعنى الكثرة نحو «موتت البهائم» ، أو من قولهم «كذب الوحشي إذا جرى شوطا ثم وقف لينظر ما وراءه» لأن المنافق متوقف متردد في أمره مذبذب بين ذلك.

وقال صلى الله عليه وسلم: «مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة»

«٢» وما في قوله «بما كانوا» مصدرية أي بكذبهم، وكان مقحمة لتفيد الثبوت والدوام أي بسبب أن هذا شأنهم وهجيراهم.

البحث الثالث: في قوله تعالى «وإذا قيل لهم لا تفسدو في الأرض» إلى قوله «ولكن لا يشعرون» .


(١) رواه البخاري في كتاب الأدب باب ١١٦.
(٢) رواه مسلم في كتاب المنافقين حديث ١٦. النسائي في كتاب الإيمان باب ١٣. الدارمي في كتاب المقدمة باب ٣١. أحمد في مسنده (٢/ ٣٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>