للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: بضعة وثلاثين ألفا. وقيل: سبعين إلفا. وقيل ثمانين ألفا وقيل: كان يعلمهم مجوسيان من أهل نينوى قرية بقرب الموصل. وضعف بأن المجوس من أتباع زرادشت وهو إنما جاء بعد موسى. وفي الآية دلالة على كثرة السحرة في ذلك الزمان ولهذا كانت معجزة موسى شبيهة بالسحر وإن كانت مخالفة في الحقيقة كما أن الطب لما كان غالبا على أهل زمن عيسى كانت معجزته من جنس ذلك كإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى، وكانت الفصاحة والبلاغة غالبة في عصر نبينا صلى الله عليه وسلم فلا جرم كانت معجزته العظمى وهي القرآن من جنس الفصاحة، وتحقيق السحر وسائر ما يتعلق به قد مر في سورة البقرة فليتذكر وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا لم يقل فقالوا بناء للكلام على سؤال مقدر كأن سائلا سأل ما قالوا إذ جاءوه؟ فأجيب قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً أي جعلا على الغلبة والتنكير للتعظيم كقول العرب إن له لإبلا وإن له لغنما يقصدون الكثرة قالَ نَعَمْ أي إن لكم أجرا وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ أراد إني لا أقتصر لكم على الثواب بل لكم مع ذلك ما يقل معه الثواب وهو التقريب والتكريم لأن الثواب إنما يهنأ إذا كان مقرونا بالتعظيم.

روي أنه قال لهم تكونون أوّل من يدخل وآخر من يخرج.

وروي أنه دعا برؤساء السحرة فقال لهم: ما صنعتم؟ قالوا قد عملنا سحرا لا يطيقه سحرة أهل الأرض إلا أن يكون أمرا من السماء فإنه لا طاقة لنا به.

وفي الآية إشارة إلى أن أهل السحر ليسوا قادرين على قلب الأعيان وإلا قلبوا الحجر ذهبا بل قلبوا ملك فرعون إلى أنفسهم ولم يطلبوا منه الأجر، فعلى العاقل أن لا يغترّ بأكاذيبهم ومزخرفاتهم. ثم إن السحرة راعوا حسن الأدب فخيروا موسى أوّلا وقدموه في الذكر ثانيا حيث قالوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ كما هو دأب المتناظرين والمتصارعين، مع أن في قولهم وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ بالأمر أليق منه بالخبر.

وبدليل قوله وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ وفيه ترغيب في الثبات على الجهاد. فمعنى الآية إذن إن يكن منكم عشرون فليصبروا وليجتهدوا في القتال حتى يغلبوا مائتين، ثم الصبر لا يحصل إلا بكونه شديد الأعضاء قويا جلدا شجاعا غير جبان ولا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة، وعند حصول هذه الأمور كان يجب على الواحد أن يثبت للعشرة لما سبق من وعد النصر في قوله حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنفال: ٦٤] وإنما كرر النسبة مرتين لأن السرايا التي كان يبعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا ينقص عددها على العشرين وما كانت تزيد على المائة فورد على وفق الواقعة، وإما في الكرة الثانية فإنما كررت النسبة للطباق وليكون فيه بشارة وإشارة إلى أن عدد عسكر الإسلام سيؤول من العشرات والمئات إلى الألوف والله أعلم بمراده. ثم بين السبب في

<<  <  ج: ص:  >  >>