للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الغلبة فقال بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ [الأنفال: ٦٥] أي بسبب أن الكفار قوم جهلة لا يعرفون معادا وقد انحصرت السعادة عندهم في هذه الحياة العاجلة. وأيضا إنهم يعولون على قوتهم وشوكتهم والمسلمون يتوكلون على ربهم ويستغيثونه ويتوقعون منه إنجاز ما وعد من النصر والتأييد، ووجه آخر هو أن أهل العلم والمعرفة يكون لهم في أعين الناس هيبة وحشمة ويكونون في أنفسهم أقوياء أشداء لما تجلى عليهم من أنوار المعرفة والبصيرة يعرف ذلك أصحاب العلوم وأرباب المعارف بخلاف الجهلة الذين لا بصيرة لهم ولا نور.

قال عطاء: عن ابن عباس لما نزل التكليف الأول ضج المهاجرون وقالوا: يا رب نحن جياع وعدوّنا شباع ونحن في غربة وعدونا في أهليهم. وقال الأنصار: شغلنا بعدوّنا وواسينا إخواننا.

وعن ابن جريج كان عليهم أن لا يفروا ويثبت الواحد للعشرة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث حمزة في ثلاثين راكبا قبل بدر فلقي أبا جهل في ثلاثمائة راكب وأرادوا قتالهم فمنعهم حمزة. وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أنيس إلى خالد بن صفوان وكان في جماعة وابتدر عبد الله فقال: يا رسول الله صفه لي فقال: إنك إذا رأيته ذكرت الشيطان ووجدت لذلك قشعريرة.

وبلغني أنه جمع لي فأخرج إليه وأقتله، فلما خرجت تعمية للمأفوك بالإفك. قال المفسرون: لما ألقى موسى العصا صارت حية عظيمة حتى سدت الأفق ثم فتحت فاها ثمانين ذراعا وابتلعت ما ألقوا من حبالهم وعصيهم، فلما أخذها موسى صارت عصا كما كانت من غير تفاوت في الحجم والمقدار أصلا، فلعل الله سبحانه أعدم بقدرته تلك الأجرام العظيمة أو فرقها أجزاء لطيفة ثم قال سبحانه وتعالى فَوَقَعَ الْحَقُّ. قال مجاهد والحسن: ظهر، وقال الفراء: فتبين الحق من السحر. وقيل: الوقوع ظهور الشيء ووجوده نازلا إلى مستقره. وسبب هذا الظهور أن السحرة قالوا: لو كان ما صنع موسى سحرا لبقيت حبالنا وعصينا ولم تفقد، ولما فقدت ثبت أن ذلك بخلق الله وتقديره وبهذا تميز المعجزة عن السحر. وقال القاضي: معناه قوة الظهور بحيث لا يصح فيه نقيضه كما لا يصح في الواقع أن يصير لا واقعا. ومع ثبوت هذا الحق زالت الأعيان التي أفكوها وهي تلك الحبال والعصي وذلك قوله وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ أي الذي عملوه أو عملهم فَغُلِبُوا هُنالِكَ أي حين التحدي وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ لأنه لا ذل ولا صغار أعظم من حق المبطل من دحوض حجته.

روي أن تلك الحبال والعصي كانت حمل ثلاثمائة بعير، فلما ابتلعها ثعبان موسى وصارت عصا كما كانت قال بعض السحرة لبعض: هذا خارج عن حد السحر وإنما هو أمر إلهي.

قال المحققون: إنهم لأجل كمالهم في علم السحر ميزوا السحر عن غيره فانتقلوا ببركة ذلك من الكفر إلى الإيمان، فما ظنك بالإنسان

<<  <  ج: ص:  >  >>