قبل مولده إلى حين نبوته ثم إعادة ذلك عليهم في قوله سَنُقَتِّلُ إلى غير ذلك من أنواع المحن والمهن. فعند ذلك قال لهم موسى مصرحا بما رمز إليهم من البشارة قبل عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ أرض مصر ولا ريب أن في عَسى طمعا وإشفاقا ومثل هذا الكلام إذا صدر عن النبي المؤيد بالمعجزات القاهرة الناظر بنور الحق أفاد قوة اليقين وأزال ما خامره من الضعف. ثم قال فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ قال الزجاج: أي يرى الكائن منكم من العمل حسنه وقبحه شكره وكفره لوقوع ذلك منكم لأن الله تعالى لا يجازيهم على ما يعلمه منهم قديما وإنما يجازيهم على ما يقع منهم حديثا فتتعلق الرؤية الأزلية به. عن عمرو بن عبيد أنه دخل على المنصور قبل الخلافة. وعلى مائدته رغيف أو رغيفان. فطلب زيادة لعمرو فلم يكن فقرأ عمرو هذه الاية، ثم دخل عليه بعد ما استخلف فذكر له ذلك وقال قد بقي فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ. وكَيْفَ نصب ب تَعْمَلُونَ لا ب فَيَنْظُرَ لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما يتقدمه. ثم حكى سبحانه ما نزل بفرعون وآله من المحن والبلايا بشؤم التكذيب والتمرد فقال وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ أي بسني القحط. فالسنة من الأسماء الغالبة غلبت على القحط كالدابة والنجم، وقد يراد بها في غير هذا الموضع الحول والعام. قال أبو زيد والفراء: بعض العرب يقول هذه سنين ورأيت سنينا فيعرب النون ومنه قول الشاعر:
دعاني من نجد فإن سنينه ... لعبن بنا شيبا وشيبننا مردا.
والسنون من الجموع المصححة الشاذة. عن ابن عباس: السنون لأهل البوادي وأصحاب المواشي وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لأهل الأمصار. وفائدة توسيط من أن يعلم أن كل الثمرات لم تنقص وإنما نقص بعضها لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ فيتنبهوا ويرجعوا إلى الانقياد والطاعة فإن مس الضر مما يلين الأعطاف ويرق القلوب. قيل: عاش فرعون أربعمائة سنة لم ير مكروها في ثلاثمائة وعشرين سنة وأصابه في تلك المدة وجع أو جوع أو حمى لما ادعى الربوبية. قال القاضي: في الآية دلالة على أنه تعالى أراد منهم أن يتذكروا لا أن يقيموا على ما هم عليه من الكفر. وأجيب بأنه يعاملهم معاملة المختبر ولا اختبار في الحقيقة ولا يرعوي عن الكفر والطغيان إلا من شاء وأراد وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ فلهذا حكى عن فرعون وقومه فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قال ابن عباس: أي العشب والخصب والمواشي والثمار وسعة الرزق والعافية والسلامة قالُوا لَنا هذِهِ أي نحن مخصوصون بذلك ولم نزل في الرفاهية والنعمة وهكذا عادة الزمان فينا ولم يعلموا أنها من الله فيشكروه عليها ويقوموا بحق نعمته وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ أضداد ما ذكرنا