يَطَّيَّرُوا يتشاءموا بموسى ومن معه. وأصله يتطيروا فأدغم التاء في الطاء لقرب مخرجهما وإنما عرفت الحسنة وخصت ب إِذا ونكرت السيئة وقرنت ب إِنْ لأن جنس الحسنة وقوعه كالواجب لكثرته وشموله وأما السيئة فوقوعها نادر مشكوك فيه ولهذا قيل لقد عددت أيام البلاء فهل عددت أيام الرخاء؟ أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ قال الأزهري: يقال للشؤم طائر وطيرة. وعن ابن عباس: طائرهم ما قضى عليهم وقدر لهم ومنه قول العرب طار له سهم كذا أي حصل ووقع ذلك في حظه. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتفاءل ولا يتطير لأن الفأل الكلمة الحسنة والتطير عيافة الطير. قال الإمام فخر الدين الرازي:
وذلك لأن الأرواح الإنسانية أقوى وأصفى من الأرواح البهيمية فيمكن الاستدلال بالأول على بعض الخفيات بخلاف الثاني. ومعنى الآية أن كل ما يصيبهم من خير أو شر فهو بقضاء الله وبتقديره وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ أن الكل رهين بمشيئته وتقديره فيقولون هذا بيمن فلان أو بشؤمه. وقد تشاءمت اليهود بالنبي صلى الله عليه وسلم وآله في المدينة فقالوا: غلت أسعارنا وقلت أمطارنا مذ أتانا. قال في الكشاف: ويجوز أن يكون معناه ألا إنما سبب شؤمهم عند الله وهو عملهم المكتوب عنده الذي يجري عليهم ما يسوءهم لأجله ويعاقبون له بعد موتهم، وكما حكي عنهم أنهم لجهلهم أسندوا حوادث هذا العالم لا إلى قضاء الله وقدره كذلك حكى عنهم أنهم لجهلهم وسفههم لم يميزوا بين المعجزة والسحر قالُوا لنبيهم مَهْما تَأْتِنا بِهِ الآية وفي «مهما» قولان: فعن البصريين أن أصلها ما الشرطية زيدت عليها «ما» المؤكدة الإبهامية ثم كرهوا التكرار فجعلوا الألف من الأولى هاء. وعن الكسائي أن «مه» بمعنى «اكفف» و «ما» للشرط كأنه قيل: كف ما تأتنا به.
ومحل «مهما» الرفع بمعنى أيما شيء تأتنا به أو النصب بمعنى أي شيء تحضرنا تأتنا به.
ومِنْ آيَةٍ بيان لمهما والضمير في «به» وكذا في «بها» يعود إلى «مهما» لأن البيان كالزيادة فلا يعود إليه شيء ما أمكن العود إلى المبين إلا أن الضمير ذكّر تارة حملا على اللفظ وأنّث أخرى حملا على المعنى. وسموها آية تهكما إذ لو قالوا ذلك اعتقادا لم يردفوها بقولهم لِتَسْحَرَنا بِها وبقولهم فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ قال ابن عباس: إن القوم لما قالوا ما قالوا وكان موسى رجلا حديدا دعا عليهم فأرسل الله عليهم الطوفان. قيل: هو الجدري وهو أوّل عذاب وقع فيهم فبقي في الأرض. وقيل: هو الموتان. وقيل:
الطاعون. والأصح أنه المطر وأصله ما طاف وغلب من مطر أو سيل، أرسل الله عليهم السماء حتى كادوا يهلكون وبيوت بني إسرائيل وبيوت القبط مشتبكة فامتلأت بيوت القبط ماء حتى قاموا في الماء إلى تراقيهم فمنعهم من الحرث والبناء والتصرف فقالوا لموسى:
ادع لنا ربك يكشف عنا ونحن نؤمن بك. فدعا فرفع عنهم فما آمنوا فنبت لهم تلك السنة