للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى، وبأنهم يدعون العلم الضروري بأن كل ما كان مرئيا فإنه يجب أن يكون مقابلا أو في حكم المقابل، فلو لم يكن هذا العلم حاصلا لموسى كان ناقص العقل وهو محال، وإن كان حاصلا وجوّز موسى عليه المقابلة كان كفرا وهو أيضا محال. وثانيها طريقة أبي علي وأبي هاشم أن موسى عليه السلام سأل الرؤية عن لسان قومه فقد كانوا يكررون المسألة عليه بقولهم لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً [البقرة: ٥٥] وزيف بأنه لو كان كذلك لقال موسى أرهم ينظروا إليك، ولقال الله لن يروني، وبأنه لو كان محالا لمنعهم كما منعهم لما قالوا اجعل لنا إلها، وبأن ذكر الدليل القاطع في هذا المقام فرض مضيق فلم يمكن تأخيره مع أنهم كانوا مقرين بنبوّة موسى كفاهم في الامتناع عن السؤال قول موسى وإلا فلا انتفاع لهم بهذا الجواب فإن لهم أن يقولوا لا نسلم أن هذا المنع من الله بل هذا مما افتريته على الله. وثالثها وهو اختيار أبي القاسم الكعبي أن موسى سأل ربه المعرفة الضرورية بحيث تزول عندها الخواطر والوساوس كما في معرفة أهل الآخرة. وردّ بأنه تعالى أراه من الآيات كالعصا واليد وغيرها ما لا غاية بعدها فكيف يليق به أن يقول أظهر لي آية تدل على أنك موجود؟ ولو فرض أنه لائق بحال موسى فلم منعه الله تعالى عن ذلك؟ ولقائل أن يقول:

منعه في الدنيا لحكمة علمها الله تعالى ولا يلزم منه المنع في الآخرة. ورابعها وهو قول أبي بكر الأصم أن موسى أراد تأكد الدليل العقلي بالدليل السمعي، وتعاضد الدلائل أمر مطلوب للعقلاء. وضعف بأنه كان الواجب عليه حينئذ أن يقول: أريد يا إلهي أن يقوى امتناع رؤيتك بوجوه زائدة على ما ظهر في عقلي. ولقائل أن يقول: هذا تعيين الطريق. وفي الآية سؤال وهو أنه تعالى لم قال لَنْ تَرانِي دون لن تنظر إليّ ليناسب قوله أَنْظُرْ إِلَيْكَ والجواب لأن موسى لم يطلب النظر المطلق وإنما طلب النظر الذي معه الإدراك بدليل أَرِنِي ومن حجج الأشاعرة أنه تعالى علق رؤيته على أمر جائز هو استقرار الجبل والمعلق على الجائز جائز. وردّ بأنه علق حصول الرؤية على استقرار الجبل حال حركته بدليل قوله وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ أي في وقت النظر وعقيبه واستقرار الجبل حال حركته محال. ومنها قوله فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ أي ظهر وبان ومنه جلوت العروس إذا أبرزتها، أو ظهر للجبل اقتداره وتصدى له أمره وإرادته جَعَلَهُ دَكًّا أي مدكوكا كالمصدر بمعنى «مفعول» . والدك والدق أخوان. ومن قرأ بالمد أراد أرضا دكاء مستوية ومنه ناقة دكاء متواضعة السنام. والدكاء أيضا اسم للرابية الناشزة من الأرض كالدكة. والغرض من الجميع تعظيم شأن الرؤية وأن أحدا لا يقوى على ذلك إلا بتقوية الله وتأييده. وقالت المعتزلة:

الرؤية أمر محال لقوله لَنْ تَرانِي وكلمة «لن» إن لم تفد التأبيد فلا أقل من التأكيد.

وأيضا الاستدراك في قوله وَلكِنِ انْظُرْ معناه أن النظر إليّ محال فلا تطلبه ولكن عليك

<<  <  ج: ص:  >  >>