للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بنظر آخر إلى الجبل لتشاهد تدكك أجزائه وتفرق أبعاضه من عظمة التجلي، وإذا لم يطق الجماد ذلك فكيف الإنسان؟ قالت الأشاعرة هاهنا: لم يبعد أن يخلق الله تعالى حينئذ في الجبل حياة وعقلا وفهما ورؤية. وأيضا قوله وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً أي مغشيا عليه غشية كالموت دليل استحالة الرؤية على الأنبياء فضلا عن غيرهم.

روي أن الملائكة مرت عليه وهو مغشى عليه فجعلوا يلكزونه بأرجلهم يقولون: يا ابن النساء الحيض أطمعت في رؤية رب العزّة.

وأيضا قوله بعد الافاقة من الصعقة سُبْحانَكَ أنزهك عما لا يليق بك من جواز الرؤية عليك إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ من طلب الرؤية بغير إذن منك وإن كان لغرض صحيح هو تنبيه القوم على استحالة ذلك بنص من عندك وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ بأنك لست بمرئي ولا مدرك بشيء من الحواس. وقالت الأشاعرة: وأنا أوّل المؤمنين بأنك لا ترى في الدنيا أو بأنه لا يجوز السؤال منك إلا بإذنك. ثم لما سأل الرؤية ومنعه الله إياها أخذ في تعداد سائر نعمه عليه وأمره أن يشتغل بشكرها ف قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ الآية. والمقصود تسلية موسى عن منع الرؤية. قيل: وفي هذا دليل على جواز الرؤية في نفسها وإلا لم يكن إلى هذا العذر حاجة. وإنما قال اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ ولم يقل «على الخلق» لأن الملائكة قد تسمع كلام الله تعالى من غير واسطة كما سمعه موسى. والغرض أنه تعالى خصه من دون الناس بمجموع أمرين الرسالة والكلام وسائر الرسل لهم الرسالة فقط. وإنما كان الكلام بلا وسط سببا للشرف بناء على العرف الظاهر

وقد جاء في الخبر أن نبينا صلى الله عليه وسلم رأى ربه ليلة المعراج بعين الرأس.

وفي ذلك دليل على أفضليته على موسى شتان بين من اتخذه الملك لنفسه حبيبا وقرّبه إليه بلطفه تقريبا وبين من قرب له الحجاب وحال بينه وبين المقصود بواب ونواب. والمزاد بالرسالات هاهنا أسفار التوراة فَخُذْ ما آتَيْتُكَ من شرف الرسالة والكلام وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ لله على ذلك بأن تشتغل بلوازمها علما وعملا. ثم فصل تلك الرسالة فقال وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ قيل: خر موسى صعقا يوم عرفة وأعطاه الله التوراة يوم النحر. وذكروا في عدد الألواح وفيو جوهرها وطولها أنها كانت عشرة ألواح، وقيل سبعة، وقيل لوحين، وأنها كانت من زمرد جاء بها جبرائيل، وقيل من زبرجدة خضراء أو ياقوتة حمراء، وقيل كانت من خشب نزلت من السماء. وعن وهب أنها كانت من صخرة صماء لينها الله تعالى لموسى قطعها بيده وشققها بأصابعه. وقيل: طولها كان عشرة أذرع. والتحقيق أن أمثال هذه يحتاج إلى النقل الصحيح وإلا وجب السكوت عنه إذ ليس في الآية ما يدل على ذلك. وأما كيفية تلك الكتابة فقال ابن جريج:

كتبها جبرائيل بالقلم الذي كتب به الذكر واستمد من نهر النور وحكم هذا النقل أيضا كما قلنا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مفعول كَتَبْنا و «من» للتبعيض نحو أخذت من الدراهم

<<  <  ج: ص:  >  >>