ممنوعة فإن الدعوى ليست إلا أن كل إله يجب أن يكون متكلما هاديا والموجبة الكلية لا تنعكس كنفسها على أنه يمكن أن يقال لا متكلم ولا هادي في الحقيقة إلا الله تعالى. ثم ختم الآية بقوله اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ وهذا كما قال في البقرة ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ [البقرة: ٥١] ثم أخبر عن عقبى حالهم بقوله وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ معناه ولما اشتد ندمهم وحسرتهم على عبادة العجل. واختلفوا في وجه هذه الاستعارة فقال الزجاج: أريد بالأيدي القلوب والأنفس كما يقال حصل في يده مكروه وإن كان من المحال حصول المكروه في اليد تشبيها لما يحصل في القلب وفي النفس بما يحصل في اليد ويرى بالعين. وقال في الكشاف: إن من شأن من اشتد ندمه أن يعض يده فتصير يده مسقوطا فيها لأن فاه وقع فيها، فأصل الكلام سقط فوه في يده فحذف الفاعل وبني الفعل للمفعول فيه كما يحذف الفعل ويبنى للمفعول فيه في قولهم «مرّ بزيد» وهذا من باب الكناية لأن عض اليد من لوازم الحسرة والندم. وقيل: كل عمل يقدم المرء عليه فذلك لاعتقاد أن ذلك العمل خير وصواب وأنه يورثه رفعة ورتبة، فإذا بان أن ذلك العمل باطل فكأنه انحط وسقط من علو إلى أسفل ومنه قولهم للرجل إذا أخطأ «ذلك منه سقطة» ثم إن اليد آلة البطش والأخذ والنادم كأنه تدارك الحالة التي لأجلها حصل له الندم وكأنه قد سقط في يد نفسه من حيث أنه بعد حصول ذلك الندم يشتغل بالتدارك والتلافي.
وحكى الواحدي أنه من السقط وهو ما يغشى الأرض بالغدوات شبه الثلج فمن وقع في يده السقط لم يحصل منه على شيء قط لأنه يذوب بأدنى حرارة، فهذا مثل من خسر في عاقبته ولم يحصل على طائل من سعة. وقال بعضهم: الآلة الأصلية في أكثر الأعمال اليد والعاجز فى حكم الساقط فسقاط اليد هو العجز التام كما يقال في العرف ضل يده ورجله لمن لا يهتدي إلى صلاحه. وقيل: إن «في» بمعنى «على» أي سقط على أيديهم فإن من عادة النادم أن يطأطىء رأسه ويضعه على يده تحت ذقنه. ثم قال الله تعالى وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا أي قد تبينوا ضلالهم كأنهم أبصروه بعيونهم. قال القاضي: الكلام على التقديم والتأخير لأن الندم والتحسر بعد تعرف الحال وتبين الخطأ والترتيب الأصلي: ولما رأوا أنهم قد ضلوا سقط في أيديهم. ويمكن أن يقال: الواو لا تفيد الترتيب، أو يقال: الإقدام على ما لا يعلم كونه صوابا أو خطأ فاسد موجب للندم وقد يتكامل العلم فيظهر أنه خطأ جزما. ثم إنهم اعترفوا بذنوبهم وانقطعوا إلى ربهم وذكروا مثل ما ذكر أبونا آدم وأمنا حواء إن لم ترحمنا ربنا الآية. وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ قال بعضهم إن موسى قد عرف خبر القوم بعد رجوعه إليهم. وقال الأكثرون وهو قول أبي مسلم: إنه كان عارفا بذلك