قبل رجوعه بدليل قوله غَضْبانَ أَسِفاً فإنه يدل على أن هاتين الحالتين حاصلتان له عند رجوعه إليهم ولما جاء في سورة طه قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ [الآية: ٨٥] وفيه دليل ظاهر على أنه تعالى أخبره بوقوع الواقعة في الميقات. والأسف الشديد الغضب وهو قول أبي الدرداء والزجاج. وعن ابن عباس والحسن إنه الحزين. وقال الواحدي: هما متقاربان فإذا جاءك ممن هو دونك غضبت وإذا جاءك ممن هو فوقك حزنت، فكأن موسى غضبان على قومه أسفا من فتنة ربه بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي خاطب عبدة العجل أو وجوه القوم- هارون والمؤمنين- حيث لم يكفوا العبدة. وفاعل بِئْسَما مضمر يفسره خَلَفْتُمُونِي والمخصوص محذوف التقدير: بئس خلافة خلفتمونيها من بعدي خلافتكم. ومعنى مِنْ بَعْدِي مع قوله خَلَفْتُمُونِي من بعد ما رأيتم مني من توحيد الله ونفي الأنداد أو من بعد ما كنت أحمل القوم عليه من التوحيد والكف عن اتخاذ إله غير الله حيث قالوا جعل لنا إلها ومن حق الخلفاء أن يسيروا بسيرة مستخلفيهم من بعدهم ولا يخالفوهم ونظير الآية قوله فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ [مريم: ٥٨] أي من بعد أولئك الموصوفين بالصفات الحميدة أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ قال الواحدي: العجلة التقدم بالشيء قبل وقته ولذلك صارت مذمومة في الأغلب بخلاف السرعة فإنها عمل الشيء في أوّل وقته. قال ابن عباس: يعني أعجلتم ميعاد ربكم فلم تصبروا له. وقال الحسن: أعجلتم وعد ربكم الذي وعدكم من الأربعين وذلك أنهم قدّروا أنه لما لم يأت على رأس الثلاثين ليلة فقد مات.
وروي أن السامري قال لهم: إن موسى لن يرجع وإنه قد مات.
وروي أنهم عدوا عشرين يوما بلياليها فجعلوها أربعين ثم أحدثوا ما أحدثوا.
وقال الكلبي: أعجلتم عبادة العجل قبل أن يأتيكم أمر ربكم. وقال عطاء: أعجلتم سخط ربكم. وفي الكشاف: يقال عجل عن الأمر إذا تركه غير تام ونقيضه تم عليه وأعجله عنه غيره ويضمن معنى سبق فيعدى تعديته فيقال:
عجلت الأمر ومعنى: أعجلتم عن أمر ربكم وهو انتظار موسى حافظين لعهده وما وصاكم به وَأَلْقَى الْأَلْواحَ التي فيها التوراة لما لحقه من الدهش والضجر غضبا لله.
عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال:«يرحم الله أخي موسى ما الخبر كالمعاينة»«١»
لقد أخبره الله تعالى بفتنة قومه فعرف أن ما أخبره الله تعالى به حق وأنه مع ذلك متمسك بما في يده.
وروي أن التوراة كانت سبعة أسباع فلما ألقى الألواح تكسرت فرفع منها ستة أسباعها وبقي سبع واحد، وكان فيما رفع تفصيل كل شيء وفيما بقي الهدى والرحمة.
قال في التفسير الكبير: إلقاء الألواح ثابت بالقرآن، فأما إلقاؤها بحيث تكسرت فلا وإنه جراءة