للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غير مبعوث إلى غير المكلفين

بقوله صلى الله عليه وسلم: «رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتى يبلغ وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق»

وأيضا يمكن وجود قوم في طرف من أطراف العمارة لم يصل إليهم خبر وجوده فهم لا يكونون مكلفين بالإقرار بنبوّته.

والجواب أن رفع القلم عن الأصناف الثلاثة أيضا حكم عليهم بهذا الاعتبار يدخلون تحت الخطاب وإن وجود قوم كما زعمتم من المستبعدات فلا يستحق الالتفات إليه. قال بعض الأكابر: إن الآية وإن دلت على أنه صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى كل الخلق فليس فيها دلالة على أن غيره من الأنبياء ما كان مبعوثا إلى كلهم. وقد تمسك جمع من العلماء

بالحديث المشهور: «أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي أرسلت إلى الأحمر والأسود، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ونصرت بالرعب مسيرة شهر، وأحلت لي الغنائم، وختم بي النبيون»

ورد بأن مجموع هذه الأمور من خواصه لا كل واحد واحد، وبأن آدم بعث إلى كل أولاده في ذلك الزمان فيكون مبعوثا إلى كل الناس وقتئذ. ولا يخفى ضعف هذا الرد لأنا نعلم من دين محمد أنه خاتم النبيين وحده

في رواية أخرى: «وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي»

وإذا كان بعض هذه الأمور من خواصه لزم أن يكون كل واحد منها كذلك.

وأيضا أن آدم لم يكن مبعوثا إلى حواء لأنها عرفت التكليف لا بواسطة آدم بدليل ولا تقربا. ثم لما أمر رسول الله بأن يقول للناس أني رسول الله إليكم أتبعه ذكر ما يدل على صحة هذه الدعوى وأنها لا تتم إلا بتقرير أصول أربعة: أوّلها إثبات أن للعالم إلها حيا عالما قادرا وأشار إليه بقوله الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إذ لو لم يكن للعالم مؤثر موجب بالذات لا فاعل بالاختيار لم يمكن القول ببعثة الرسول. ومحل الَّذِي نصب أو رفع على المدح أو جر بدلا أو وصفا لله. وثانيها أن إله العالم واحد وذلك قوله لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إذ لو فرض إلهان لم يكن عبادة أحدهما أولى من عبادة الآخر. وثالثها أنه تعالى قادر على الخير والشر والبعث والحساب كما قال يُحيِي وَيُمِيتُ

وإنما لم يوسط العاطف بين هذه الجمل لأن كل واحد منها مبينة لما قبلها، وإذا ثبتت هذه الأصول الثلاثة ثبت أصل رابع وهو أنه يصح من الله تعالى إرسال الرسل ومطالبة الخلق بالتكاليف. أما بالأصل الأوّل والثاني فلأنه يحسن من المولى مطالبة عبده بطاعته وخدمته ولا سيما إذا كان فردا منزها عن الشريك والنظير مستقلا بالأمر والنهي. وأما الأصل الثالث فلأنه يحسن من القادر تكليف المكلف بنوع من طاعته إيصالا له إلى الجزاء وإلى لذة الجزاء، فإن تحصيل لذة الأجر بدون كونه أجر ممتنع وأشار إلى هذا الأصل الرابع بقوله فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ اقتصر من الصفات المذكورة هاهنا على الأمية

<<  <  ج: ص:  >  >>