وقيل: المراد ما يتصل بأمر الدين يعني لو كنت أعلم بالغيب لكنت أعلم أن الدعوة إلى الدين الحق تؤثر في هذا ولا تؤثر في ذلك فكنت أشتغل بدعوة هذا دون ذاك.
وقال بعضهم: لما رجع صلى الله عليه وسلم من غزوة بني المصطلق جاء في الطريق ريح نفرت ناقته. منها فأخبر صلى الله عليه وسلم بموت رفاعة وكان فيه غيظ للمنافقين وقال:«انظروا أين ناقتي» . فقال عبد الله بن أبيّ لقومه: ألا تعجبون من هذا الرجل يخبر عن موت رجل بالمدينة ولا يعرف أين ناقته. فقال صلى الله عليه وآله:«إن ناسا من المنافقين قالوا كيت وكيت وناقتي في هذا الشعب قد تعلق زمامها بشجرة» فوجدوها على ما قال فنزلت.
أما قوله وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ فمعناه لكان حالي على خلاف ما هي عليه من المغلوبية في بعض الحروب والخسران في بعض التجارات والأخطاء في بعض التدبير إِنْ أَنَا إلا عبد مرسل للنذارة والبشارة وما من شأني أن أعلم الغيب. وقوله لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ إما أن يتعلق بالبشير وحده ويكون المتعلق بالنذير وهو للكافرين محذوفا للعلم به كقوله سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ [النحل: ٨١] أو يتعلق بالوصفين جميعا إلا أن المؤمنين لما كانوا هم المنتفعين بها خصوا بالذكر كقوله هُدىً لِلْمُتَّقِينَ [البقرة: ٢] واعلم أن أكثر ما جاء في القرآن من لفظي الضر والنفع معا جاءا بتقديم لفظ الضر على النفع وهو الأصل لأن العابد يعبد معبوده خوفا من عقابه أولا ثم طمعا في ثوابه ثانيا يؤيده قوله يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً [السجدة:
١٦] وحيثما تقدم النفع على الضر فذلك لسابقة لفظ تضمن معنى نفع كما في هذه السورة تقدم لفظ الهداية على الضلال في قوله مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ [الكهف:
١٧] وتقدم الخير على السوء في قوله لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ وفي الرعد تقدم ذكر الركوع في قوله طَوْعاً وَكَرْهاً [آل عمران: ٨٣] والطوع نفع. وفي الفرقان تقدم قوله هذا عَذْبٌ فُراتٌ [الفرقان: ٥٣] وهو نفع وفي سبأ تقدم البسط في قوله اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ [الرعد: ٢٦] وقس على هذا. ثم رجع إلى تقرير أمر التوحيد وإبطال الشرك فقال هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ والمروي عن ابن عباس أنها نفس آدم وقد تقدم مثل ذلك في أول سورة النساء. قال مجاهد: كان لا يعيش لآدم وامرأته ولد فقال لهما الشيطان: إذا ولد لكما ولد فسمياه عبد الحرث وكان اسم إبليس في الملائكة الحرث وذلك قوله فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً ولدا سويا جَعَلا يعني آدم وحوّاء لَهُ شُرَكاءَ والمراد تسميته بعبد الحرث وهذا تمام القصة وقد زيفها النقاد بوجوه منها:
أنه تعالى قال فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ بلفظ الجمع لا التثنية ومنها قوله أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً إلى آخر الآيات وفي ذلك تصريح بأن المراد الأصنام ولو كان المراد إبليس