لكان «أيشركون ما لا يخلق شيئا وهو يخلق» ؟. ومنها أن آدم عليه السلام كان عالما بجميع الأسماء فكيف ضاقت عليه الأسماء، أم كيف لم يعرف أن اسم إبليس كان حارثا، أم كيف لم يتنبه لغدر إبليس بعد أن جرى عليه منه ما جرى؟ ومنها أنه أراد بذلك اسم علم أو اسم صفة والأوّل لا يستلزم محذورا إلا أن أسماء الأعلام لا تفيد في المسميات فائدة فلا يلزم الإشراك، والثاني يوجب الكفر الصريح ولا قائل بإمكان نسبته إلى آدم فعند ذلك ذكر العلماء في تأويله وجوها: أحدها أن هذا مثل فكأنه تعالى يقول هو الذي خلقكم أي كل واحد منكم من نفس واحدة وجعل من جنسها زوجها إنسانا يساويه في الإنسانية يسكن أي تلك النفس، فذكر بعد ما أنث حملا على المعنى ولأن الذكر هو الذي يسكن إلى الأنثى ويطمئن إليها فكان التذكير أحسن طباقا للمعنى فَلَمَّا تَغَشَّاها أي جامعها لأنه إذا علاها صار كالغاشية لها حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً قالوا: يريد النطفة. والحمل بالفتح ما كان في البطن أو على رأس الجرة، وبكسر الحاء ما حمل على الظهر أو على الدابة فَمَرَّتْ بِهِ أي استمرت وقضت على ذلك الحمل من غير إذلاق. وقيل: فقامت وقعدت به من غير ما ثقل. وقيل:
المراد بالخفة أنها لم تلق ما تلقاه بعض الحبالى من حملهن من الكرب والأذى فَلَمَّا أَثْقَلَتْ كان وقت ثقل حملها ولادتها دَعَوَا أي الزوج والزوجة اللَّهَ رَبَّهُما ومالك أمرهما الذي هو الحقيق بأن يدعى ويلتجأ إليه فقالا لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً ولدا قد صلح بدنه أو ولد ذكرا لأن الذكورة من الصلاح والجودة لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ لنعمائك فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً كما طلبا جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ ومن قرأ شركا فعلى حذف المضاف أي ذوي شرك وهم الشركاء أيضا. أو المراد أحدث لله إشراكا في الولد لأنهم تارة ينسبون ذلك الولد إلى الطبائع، وتارة إلى الكواكب، وتارة إلى الأوثان والأصنام، وثانيها أن يكون الخطاب لقريش الذين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم آل قصيّ والمعنى: هو الذي خلقكم من نفس قصي وجعل من جنسها زوجة عربية قرشية، فلما أتاهما ما طلبا من الولد الصالح السوي سميا أولادهما الأربعة بعبد مناف وعبد العزى وعبد قصي وعبد الدار. والضمير في يُشْرِكُونَ لهما ولأعقابهما الذين اقتدوا بهما في الشرك، وثالثها سلمنا أن الآية وردت في قصة آدم إلا أنه لا يجوز أن يكون قوله جَعَلا واردا بمعنى الاستفهام على سبيل الإنكار والتبعيد؟. ثم قال فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ أي تعالى الله عن شرك هؤلاء المشركين الذين يقولون إن آدم عليه السلام كان يعبد الأصنام ويرجع في طلب الخير ودفع الشر إليها ونظيره أن ينعم رجل على رجل بوجوه كثيرة من الإنعام ثم يقول لذلك المنعم إن ذلك المنعم عليه يقصد إيذاءك وإيصال الشر إليك فيقول ذلك المنعم: فعلت في حق فلان كذا