للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرجوع إلى الحق أولى من التمادي في الباطل. ثم ذكر نوعا واحدا من إغوائهم فقال وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بآية وذلك أنهم كانوا يطلبون آيات معينة ومعجزات مخصوصة على سبيل التعنت كقولهم لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً [الإسراء: ٩٠] ثم إنه صلى الله عليه وسلم ما كان يأتيهم بها فعند ذلك قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها يقال اجتبى الشيء بمعنى جباه لنفسه أي جمعه، وجبى إليه فاجتباه أي أخذه، والمعنى هلا افتعلتها وجئت بها من عند نفسك لأنهم كانوا يقولون إن هذا إلا إفك مفترى وكانوا ينسبونه إلى السحر. والمراد هلا أخذتها واقترحتها على إلهك ومعبودك إن كنت صادقا في أن الله يجيب دعاءك ويسعف باقتراحك؟ وعند هذا أمر رسوله أن يذكر في الجواب إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي ولست بمفتعل للآيات أو لست بمقترح لها. ثم بين أن عدم الإتيان بتلك المعجزات التي اقترحوها ألا يقدح في الغرض لأن ظهور القرآن على وفق دعواه معجزة بالغة قاهرة كافية في تصحيح النبوة فكان طلب الزيادة من التعنت فقال هذا يعني القرآن بَصائِرُ إطلاق لاسم المسبب على السبب، وذلك أن فيه حججا بينة تفيد القلوب بصيرة وكشفا هُدىً للمستدلين الواصلين بالنظر والاستدلال إلى درجة العرفان. فالبصائر لأصحاب عين اليقين، والهدى لأرباب علم اليقين، والرحمة لغيرهم من الصالحين المقلدين، والجميع لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ولما عظم شأن القرآن بتلك الأوصاف علم المكلفين أدبا حسنا في بابه فقال وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا والإنصات السكوت للاستماع. قال العلماء: ظاهر الأمر للوجوب فمقتضاه أن يكون الاستماع والسكوت واجبا وقت قراءة القرآن في صلاة وغير صلاة وهو قول الحسن وأهل الظاهر. وعن أبي هريرة كانوا يتكلمون في الصلاة فنزلت. وقال قتادة: كان الرجل يأتي وهم في الصلاة فيسألهم كم صليتم وكم بقي وكانوا يتكلمون في الصلاة لحوائجهم فنزلت. ثم صار سنة في غير الصلاة أن ينصت القوم إذا كانوا في مجلس يقرأ فيه القرآن. وقيل: نزلت في ترك الجهر بالقراءة وراء الإمام لما

روي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في الصلاة المكتوبة وقرأ أصحابه رافعين أصواتهم فخلطوا عليه صلى الله عليه وسلم فنزلت.

وقال سعيد بن جبير ومجاهد وعطاء وعمرو بن دينار وجماعة: نزلت في الإنصات عند الخطبة يوم الجمعة، وزيف بأن اللفظ عام فكيف يجوز قصره على قراءة القرآن في الخطبة أو على الخطبة نفسها بناء على أنها قد تسمى قرآنا لاشتمالها عليه. وأجيب بأن كلمة «إذا» لا تفيد العموم بدليل أنه إذا قال لزوجته إذا دخلت الدار فأنت طالق فإنها لا تطلق مرة ثانية بدخول الدار مرة أخرى، وبدليل أن الشافعي أوجب على المأموم أن يقرأ الفاتحة، ورد بأن المأموم إنما يقرأ الفاتحة في حال سكتة

<<  <  ج: ص:  >  >>