الإمام كما قال أبو سلمة: للإمام سكتتان فاغتنم القراءة في أيهما شئت يعني سكتة بين التكبير إلى أن يقرأ، وأخرى بين القراءة إلى أن يركع. واعترض بأن سكوت الإمام واجب أم لا. والأول باطل بالإجماع، وعلى الثاني يجوز أن لا يسكت وحينئذ يلزم أن تحصل قراءة المأموم مع قراءة الإمام فيفضي إلى ترك الاستماع. وأيضا فهذا السكوت ليس له حد محدود والمأمومون مختلفون ببطء القراءة وسرعتها، فربما لا يتمكن المأموم من إتمام قراءة الفاتحة في مقدار سكوت الإمام فيلزم المحذور المذكور. وأيضا الإمام في هذا السكوت يصير كالتابع للمأموم وذلك غير جائز. قال الواحدي: الإنصات هو ترك الجهر عند العرب وإن كان يقرأ في نفسه إذا لم يسمع أحدا. وأورد عليه أن غاية توجيهه هو أن الإنصات مع قراءة الإمام ممكن لكن إمكان حصول الاستماع مع قراءته ممنوع، فإن الاستماع عبارة عن كونه بحيث يحيط بذلك الكلام المسموع على الوجه الكامل، ولعل الإنصاف أن الاستماع على تقدير الإنصاف المفسر ممكن أن يحصل مع قراءة الإمام. هذا وقد سلم كثير من الفقهاء عموم اللفظ إلا أنهم جوّزوا تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد وذلك هاهنا
قوله صلى الله عليه وآله:«لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب»
وذهب الإمام مالك وهو القول القديم للشافعي: إنه لا يجوز للمأموم قراءة الفاتحة في الصلاة الجهرية عملا بمقتضى هذا النص ويجب عليه القراءة في الصلاة السرية لأن الآية دلالة لها على هذه الحالة. وفي الآية تفسير آخر وهو أن الخطاب في الآية مع الكفار وذلك أن كون القرآن بصائر وهدى ورحمة لا يظهر إلا بشرط مخصوص وهو أن النبي إذا قرأ عليهم القرآن عند نزوله استمعوا له وأنصتوا ليقفوا على مبانيه ومعانيه فيعترفوا بإعجازه ويستغنوا بذلك على طلب سائر المعجزات، ومما يؤكد هذا التفسير قوله في آخر الآية لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ والترجي إنما يناسب حال الكفار لا حال المؤمنين الذين حصل لهم الرحمة جزما في قوله وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ويمكن أن يجاب بأن الأطماع من الكريم واجب فلم يبق إلا الفرق. وقيل: المراد باستماع القرآن العمل بما فيه.
ثم أمر نبيه وأمته تبعيته صلى الله عليه وسلم بالذكر العام- قرآنا كان أو غيره- على سبيل الدوام، وذلك أن استماع القرآن كان الذكر الخفي فقال وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ وفي الآية قيود:
الأوّل: تخصيصه اسم الرب دون الإله وغيره تنبيها على أن سبب الذكر هو التربية والإنعام وليدل على الطمع والرجاء. والثاني: ذكر الرب في النفس ليكون أدخل في الإخلاص وأبعد عن الرياء. قيل: ذكره في النفس هو أن يكون عارفا بمعاني الأسماء التي يذكرها بلسانه. قال بعض المتكلمين: الذكر النفساني هو الكلام النفسي الذي يثبته الأشاعرة.