من يوم الفرقان بِالْعُدْوَةِ بالكسر والضم شط الوادي أي جانبه وحافته. وقال أبو عمرو:
هي المكان المرتفع والدُّنْيا تأنيث الأدنى يعني الجانب الذي يلي المدينة وقلب الواو ياء فيه على القياس لأن «فعلى» من بنات الواو وتقلب ياء كالعليا، وأما القصوى تأنيث الأقصى فإنه كالقود في مجيئه على الأصل وقد جاء القصيا أيضا قليلا والعدوة القصوى مما يلي مكة وَالرَّكْبُ يعني الأربعين الذين كانوا يقودون العير أَسْفَلَ مِنْكُمْ بالساحل وهو نصب على الظرف مرفوع المحل خبرا للمبتدأ أي مكانا أسفل من مكانكم. والفائدة في ذكر مراكز الفرق الثلاث تصوير وقعة بدر وما دبر الله سبحانه من عجيب صنعه وكمال رأفته ونصره حتى كان ما كان. وذلك أن العدوة القصوى التي أناخ بها المشركون كانت في مكان فيه الماء وكانت أرضا لا بأس بها، وأما العدوة الدنيا فهي رخوة تسوخ فيها الأقدام ولا ماء بها وكانت العير وراء ظهور العدو مع كثرة عددهم فكانت الحماية دونها تضاعف حميتهم وعبدتهم، ولهذا كانت العرب تخرج إلى الحروب بعيالهم وأثقالهم ليبعثهم الذب عن الحرم على بذل مجهودهم حيث لم يتركوا وراءهم ما يحدثون أنفسهم بالانحياز إليه. وَلَوْ تَواعَدْتُمْ أنتم وأهل مكة على موضع تتلاقون فيه لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ فثبطكم قلتكم وكثرتهم عن الوفاء بالموعد وثبطهم ما في قلوبهم من هيبة الرسول والمسلمين فلم يتفق لكم من التلاقي ما تيسر بتوفيق الله وتسبيبه وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أي ليظهر أَمْراً كانَ مَفْعُولًا مقدرا وهو نصر أوليائه وقهر أعدائه دبر ذلك. وقوله لِيَهْلِكَ بدل من لِيَقْضِيَ بدل الخاص من العام واستعير الهلاك والحياة للكفر والإسلام، وذلك أن وقعة بدر كان فيها من الآيات والمعجزات ما يكون الكافر بعدها كالمكابر لنفسه فكفره صادر عن وضوح بينة أي لا شك في كفره وعناده كما أنه لم يبق شك للمسلمين في حقية دين الإسلام. وفي قوله لِيَقْضِيَ ولِيَهْلِكَ دلالة على أن أفعاله تعالى مستتبعة للحكم والمقاصد والغايات خلاف ما عليه ظاهر الأشاعرة. وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ لدعائكم عَلِيمٌ بنياتكم إِذْ يُرِيكَهُمُ منصوب باذكر أو بدل آخر من يوم الفرقان أو متعلق بعليم أي يعلم تدابيركم إذ يريكهم فِي مَنامِكَ أي في رؤياك قَلِيلًا أراه وإياهم في رؤياه قليلا فأخبر بذلك أصحابه فكان تثبيتا لهم وتشجيعا على عدوهم. وقيل: في منامك أي في عينك في اليقظة لأن العين موضع النوم وفيه تكلف. وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً على ما هم عليه لَفَشِلْتُمْ والفشل الجبن والخور. وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ أمر الحرب والإقدام وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ عصم من الفشل والتنازع إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ يعلم ما سيحدث فيها من مواجب الإقدام والإحجام وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ يبصركم إياهم إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا نصب على الحال لأن