الرؤية رؤية العين لا القلب وقد استوفت الإراءة مفعولية فلن يتعدى إلى ثالث وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ الحكمة في تقليل الكفار في أعين المؤمنين ظاهرة مع أن في ذلك تصديقا لرؤيا النبي، وأما تقليل المؤمنين في أعين الكفار فالحكمة في ذلك أن يجترىء الكفار عليهم قلة مبالاة بهم وأن يستعدّوا لهم كما ينبغي لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا فعل ما فعل من التقليل وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ فيه أن أحوال الدنيا غير مقصودة لذواتها وإنما المراد منها ما يصلح أن يكون زادا للمعاد. ثم علم المؤمنين آداب اللقاء في الحروب فقال إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا لقتالهم ولا تفروا واللقاء اسم غلب في القتال فلهذا ترك وصف الفئة بالمحاربين ونحو ذلك، والأمر بالثبات في القتال لا ينافي الرخصة في التحرف والتحيز فلعل الثبات في الحرب لا يحصل إلا بهما. وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً في مواطن الحرب لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ تظفرون بمرادكم من النصر والمثوبة. وفيه إشعار بأن العبد لا يجوز له أن يفتر عن ذكر ربه في أي شغل وعمل كان، ولو أن رجلا أقبل من المغرب إلى المشرق منفقا أمواله لله، والآخر من المشرق إلى المغرب ضاربا بسيفه في سبيل الله كان الذاكر لله أعظم أجرا. وقيل: المراد من هذا الذكر أن يدعو على العدو: اللهم اخذلهم اللهم اقطع دابرهم ونحو ذلك والأولى حمله على العموم وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ في سائر ما يأمر به لأن الجهاد لا ينفع إلا مع التمسك بسائر الطاعات وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا منصوب بإضمار «أن» أو مجزوم لدخوله في حكم النهي ويظهر التقدير «أن» في قوله
وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ على القراءتين. والريح الدولة شبهت في نفوذ أمرها وتمشيته على وفق المشيئة بالريح وهبوبها. يقال: هبت رياح فلان إذا دالت له الدولة ونفذ أمره. وقيل:
الريح حقيقة ولم يكن نصر قط إلا بريح يبعثها الله.
وفي الحديث:«نصرت بالصبا»«١»
حذرهم التنازع واختلاف الرأي نحو ما وقع لهم بأحد بمخالفتهم رسول الله. احتج نفاة القياس بالآية لأن القول به يفضي غالبا إلى النزاع المنهي عنه. وكذا القائلون: بأن النص لا يجوز تخصيصه بالقياس.
قال أهل السير: إن أهل مكة حين نفروا لحماية العير أتاهم رسول أبي سفيان وهم بالجحفة أن ارجعوا فقد سلمت عيركم، فأبى أبو جهل وقال: حتى نقدم بدرا نشرب بها الخمور وتعزف علينا القيان ونطعم بها من حضرنا من العرب. فوافوها فسقوا كؤوس
(١) رواه البخاري في كتاب الاستسقاء باب ٢٦، كتاب بدء الخلق باب ٥. مسلم في كتاب الاستسقاء حديث ١٧. أحمد في مسنده (١/ ٢٢٣، ٢٢٨، ٣٤١) .