للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المنايا مكان الخمر وناحت عليهم النوائح مكان القيان فنهى الله المؤمنين أن يكونوا مثلهم بطرين مرائين بأعمالهم كإطعام الطعام ونحوه فقال وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ الآية. وصفهم بأوصاف ثلاثة: أولها: البطر وهو الطغيان في النعمة ويقال أيضا شدّة المرح. والتحقيق إن النعم إذا كثرت من الله على العبد فإن صرفها في مرضاته وعرف حق الله فيها فذاك هو الشكر وإن توسل بها إلى المفاخرة على الأقران والمكاثرة على أبناء الزمان فذاك هو البطر. وثانيها: رئاء الناس وهو القصد إلى إظهار الجميل مع قبح النية وفساد الطوية، أو هو إظهار الجميل مع قبح النية وفساد الطوية، أو هو إظهار الطاعة مع إبطان المعصية كما أن النفاق إظهار الإيمان مع إبطال الكفر. وثالثها قوله وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أي يمنعون عن قبول دين محمد صلى الله عليه وسلم. قال الواحدي: معناه وصدا عن سبيل الله ليكون عطفا للاسم على الاسم، أو يكون الكل أحوالا على تأويل بطرين مرائين صادّين أو يبطرون ويراءون ويصدّون. واعترض عليه في التفسير الكبير بأنه تارة يقيم الاسم مقام الفعل والأخرى بالعكس ليصح له كون الكلمة معطوفة على جنسها، وكان من الواجب عليه أن يذكر السبب الذي لأجله عبر عن الأولين بالمصدر وعن الثالث بالفعل. ثم ذكر السبب فقال: إن أبا جهل ورهطه كانوا مجبولين على البطر والرياء فذكرا بلفظ الاسم تنبيها على أصالتهم فيهما، وأما الصدّ فإنما حصل في زمان ادعاء محمد النبوة فذكر بلفظ الفعل الدال على التجدد. قلت: لو جعلنا قوله وَيَصُدُّونَ عطفا على صلة «الذين» لم يحتج إلى هذه التكلفات التي اخترعها الإمامان. وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ فيه زجر عن التصنع والافتخار، ويعلم منه أن المعصية مع الانكسار أقرب إلى الخلاص من الطاعة مع الاستكبار. وَإِذْ زَيَّنَ معناه واذكر إذ زين أو هو معطوف على ما قبله من النعم وأقربها قوله وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ وفي هذا التزيين وجهان: أحدهما. أن الشيطان زين بوسوسته من غير أن يتمثل بصورة إنسان وهو قول الحسن والأصم. وفي الكشاف: زين لهم الشيطان أعمالهم التي عملوها في معاداة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووسوس إليهم أنهم لا يغلبون ولا يطاقون، وأوهمهم أن اتباع خطوات الشيطان وطاعته مما يجرئهم. فلما تلاقى الفريقان نكص الشيطان وتبرأ منهم أي بطل كيده حين نزلت جنود الله. وثانيهما: أنه ظهر في صورة إنسان وذلك أن المشركين حين أرادوا المسير إلى بدر ذكروا الذي بينهم وبين بني كنانة من الحرب فلم يأمنوا أن يأتوهم من ورائهم، فتمثل لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم الشاعر الكناني وكان من أشرافهم في جند من الشياطين معه راية وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ أي لا غالب كائن لكم ولو كان لكم مفعولا بمعنى لا غالب إلا إياكم لانتصب كما يقال لا ضاربا زيدا. وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ أي مجيركم من بني كنانة أو

<<  <  ج: ص:  >  >>