ولقد علمت على توقّي الردى ... أن الحصون الخيل لا مدر القرى
وعن عكرمة أن الخيل هاهنا الإناث لأنها أولى بالربط لتفيد النسل. وقيل: هي الفحول لأنها أقوى على الكر والفر. والظاهر العموم. ثم ذكر ما لأجله أمر بإعداد هذه الأشياء فقال تُرْهِبُونَ بِهِ أي بما استطعتم عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ لأن الكفار إذا علموا تأهب المسلمين للقتال لم يجسروا عليهم وخافوهم وربما يدعوهم ذلك إلى الانقياد والطاعة وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ يريد بالأوّلين أهل مكة وبالآخرين اليهود على قول ولكنه لا يجاريه قوله لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ والمنافقين على قول. واعترض عليه بأنهم لا يرهبون لانخراطهم في سلك المسلمين ظاهرا. وأجيب بأن الخائن خائف فكلما اشتدت شوكة المسلمين ازداد المنافقون في أنفسهم خوفا ورعبا فربما يدعوهم ذلك إلى الإخلاص.
وعن السدي: هم أهل فارس. وروي ابن جريج عن سليمان بن موسى أنهم كفرة الجن
وجاء في الحديث إن الشيطان لا يقرب صاحب فرس ولا دارا فيها فرس عتيق
وروي أن صهيل الخيل يرهب الجن. وقيل: المراد بالآخرين أعداء المرء من دينه فإن المسلم قد يعاديه مسلم آخر. ثم رغبهم في الإنفاق في باب الجهاد فقال وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ أي ثوابه وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ لا تنقصون من ثواب أعمالكم شيئا. ثم رخص في المصالحة إن مال الأعداء إليها فقال وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ الآية جنح له وإليه جنوحا إذا مال. وإنما قيل فَاجْنَحْ لَها لأن السلم تؤنث تأنيث نقيضها وهي الحرب، أو بتأويل الخصلة أو الفعلة. عن ابن عباس ومجاهد أن الآية منسوخة بقوله قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [التوبة: ٢٩] وبقوله فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [التوبة: ٥] والأولى أن يقال: إنها ثابتة فليس بحتم أن يقاتل المشركون أبدا، أو يجابوا إلى الهدنة أبدا، وإنما الأمر موقوف على ما يرى فيه الإمام صلاح الإسلام وذويه، فإذا رأى الصلاح في الصلح فذاك. والمصلحة قد تظهر عند ضعف المسلمين إما لقلة العدد أو لقلة المال وبعد العدوّ وقد تكون مع القوة للطمع في إسلامهم أو قبولهم الجزية إذا خالطوا المسلمين أو بأن يعينوه على قتال غيرهم. وأما مدة المهادنة فإذا لم يكن بالمسلمين ضعف ورأى الإمام الصلاح في المهادنة فقد قال الشافعي يهادون أربعة أشهر فما دونها لقوله تعالى فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ [التوبة: ٢] وذلك كان في أقوى ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم منصرفه من تبوك.
وإن كان بالمسلمين ضعف جازت الزيادة بحسب الحاجة إلى عشر سنين اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم حين صالح أهل مكة بالحديبية على وضع القتال عشر سنين. إلا أنهم