وقد يكون خاصا يتعلق بأفراد الكفار وهذا يصح من الولاة ومن آحاد المسلمين أيضا وهذا مقصود الآية وإنه ثابت غير منسوخ.
روي عن سعيد بن جبير أن رجلا من المشركين جاء إلى علي رضي الله عنه فقال: أراد الرجل منا أن يأتي محمدا بعد انقضاء هذا الأجل يسمع كلام الله أو يأتيه لحاجة قتل؟ قال:«لا» . واستدل بالآية.
وعن السدي والضحاك هو منسوخ بقوله فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ وشرط الأمان الإسلام والتكليف فيصح من العبد والمرأة والفاسق.
روي أنه صلى الله عليه وسلم قال:«يسعى بذمتهم أدناهم»«١»
وعن أم هانىء قالت: أجرت رجلين من أحمائي فقال صلى الله عليه وسلم: «أمنا من أمنت» .
ويعتبر أن الإسلام والتكليف الاختيار فلا يصح أمان المكره على عقد الأمان، وينعقد الأمان بكل لفظ مفيد للغرض صريحا كقوله: أجرتك أو لا تخف، وكناية كقوله: أنت على ما تحب أو كن كيف شئت، ومثله الكتابة والرسالة والإشارة المفهمة.
روي عن عمر أنه قال: والذي نفسي بيده لو أن أحدكم أشار بأصبعه إلى مشرك فنزل على ذلك ثم قتله لقتلته.
هذا إذا دخل الكافر بلا سبب أما إذا دخل لسفارة فلا يتعرض له، وكذا إذا دخل لسماع الدلائل وقصد التجارة لا يفيد الأمان إلا إذا رأى الإمام مصلحة في دخول التجار. وحكم الأمان إذا انعقد عصمة المؤمن من القتل والسبي فإن قتله قاتل ضمن بما يضمن له الذمي، ولا يتعدى الأمان إلى ما خلفه في دار الحرب من أهل ومال، وأما الذي معه منهما فإن وقع التعرض لأمانه اتبع الشرط وإلا فالأرجح أن لا يتعدى الأمان إلى ذلك. وقد بقي في الآية مسألة أصولية هي أن المعتزلة استدلوا بالآية على أن كلام الله تعالى هو هذه الحروف المسموعة ويتبع ذلك أن يكون كلامه محدثا لأن دخول هذه الحروف في الوجود على التعاقب. وأجيب بأن هذه المسموعة فعل الإنسان وليست هي التي خلقها الله تعالى أوّلا عندكم فعلمنا أن هذا المسموع ليس كلام الله بالاتفاق فيجب ارتكاب التجوز البتة، ونحن نحمله على أنها هي الدالة على الكلام النفسي فلهذا أطلق عليها أنها كلام الله كما أن الجبائي قال: إن كلام الله شيء مغاير لهذه الحروف والأصوات وهو باق مع قراءة كل قارئ. وزعم بعض الناس حين رأوا أنه تعالى جعل كلامه مسموعا أن هذه الحروف والأصوات قديمة ليلزم قدم كلامه تعالى وفيه ما فيه، ثم أكد المعاني المذكورة من أول السورة إلى هاهنا فقال على سبيل الاستنكار والاستبعاد كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ المرفوع اسم كان وفي خبره
(١) رواه البخاري في كتاب الجزية باب ١٠، ١٧. كتاب الاعتصام باب ٥. مسلم في كتاب العتق حديث ٢٠. أبو داود في كتاب المناسك باب ٩٥. الترمذي في كتاب الولاء باب ٣. النسائي في كتاب القسامة باب ١٠، ١٤. ابن ماجه في كتاب الديات باب ٣١. أحمد في مسنده (٢/ ٣٩٨) .