للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال سبحانه وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الكنز هو المال المدفون وقد كنزه يكنزه.

والتركيب يدل على الجمع ومنه ناقة كناز مكتنزة اللحم، واكتنز الشيء اجتمع. قيل:

المراد بقوله وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الأحبار والرهبان لما وصفهم بالحرص الشديد، أراد أن يصفهم بالامتناع من إخراج الواجبات عن أموالهم. وقيل: المقصود مانعو الزكاة من المسلمين. ووجه النظم أنه لما كان حال من أمسك مال نفسه بالباطل كذلك فما ظنك بحال من سعى في أخذ مال غيره بالباطل والخديعة؟! عن زيد بن وهب قال: مررت بالربذة فإذا أنا بأبي ذر فقلت له: ما أنزلك هذه البلاد؟ قال: كنت بالشام فاختلفت أنا ومعاوية في هذه الآية فقال معاوية: نزلت في أهل الكتاب. وقلت: نزلت فينا وفيهم فصار ذلك سببا للوحشة. فكتب إلي عثمان يشكوني فكتب إلي عثمان أن أقدم المدينة، فلما قدمت المدينة انحرف الناس عني كأنهم لم يروني من قبل، فذكرت ذلك لعثمان فقال: إن شئت تنحيت فكنت قريبا. قلت: إني والله لا أدع ما كنت أقول. وعن الأحنف قال: لما قدمت المدينة رأيت أبا ذر يقول: بشر الكانزين برضف يحمى عليه في نار جهنم فيوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج من نغض كتفه، ويوضع على نغض كتفه حتى يخرج من حلمة ثديه. فلما سمع القوم ذلك تركوه فاتبعته وقلت: ما رأيت هؤلاء إلا كرهوا ما قلت لهم. فقال: ما عسى يصنع بي قريش. واختلف علماء الصحابة في هذا الكنز المذموم فقال الأكثرون: هو المال الذي لم تؤدّ زكاته. عن عمر بن الخطاب: مال أديت زكاته فليس بكنز. وقال ابن عمر: كل ما أديت زكاته فليس بكنز وإن كان تحت سبع أرضين، وكل مال لم تؤدّ زكاته فهو كنز وإن كان فوق الأرض. وقال جابر: إذا أخرجت الصدقة من مالك فقد أذهبت عنه شره وليس بكنز. وعن ابن عباس: قوله وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ يريد الذين لا يؤدّون زكاة أموالهم. قال القاضي: ويندرج فيه سائر الحقوق من الكفارات والديون ونفقة الحج والجهاد والإنفاق على الأهل والعيال وضمان المتلفات وأروش الجنايات. وقال الأقلون: كل مال كثير فهو مذموم سواء أديت زكاته أو لم تؤد.

وحجة الأولين قوله تعالى لَها ما كَسَبَتْ [البقرة: ٢٨٦] وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ [محمد: ٣٦]

وقوله عليه السلام: كل امرئ أحق بكسبه» «١» «نعم المال الصالح للرجل الصالح ما أدّيت زكاته فليس بكنز وإن كان باطنا، وما بلغ أن يزكى ولم يزك فهو كنز وإن كان ظاهرا» «٢» . وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع من الأغنياء كعثمان بن


(١) رواه أحمد في مسنده (٤/ ١٩٧، ٢٠٢) .
(٢) رواه البخاري في كتاب الزكاة باب ٤. ابن ماجه في كتاب الزكاة باب ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>