[الكهف: ٣٧] وكما احتمل أن يقال إنه عليه السلام استخلصه لنفسه في هذا السفر لأجل الثقة، احتمل أن يكون ذلك لأجل إنه خاف أن يدل الكفار عليه أو يوقفهم على أسراره لو تركه. ثم إن حزنه لو كان حقا لم ينه عنه فهو ذنب وخطأ. سلمنا دلالة الآية على فضل أبي بكر إلا أن اضطجاع علي رضي الله عنه على فراشه أعظم من ذلك فيه من خطر النفس. أجاب أهل السنة بأن كون الله رابعا لكل ثلاثة أمر مشترك، وكونه ثاني اثنين تشريف زائد اختص الله أبا بكر به على أن المعية هنالك بالعلم والتدبير وهاهنا بالصحبة والمرافقة، فأين إحداهما من الأخرى؟! والصحبة في قوله قالَ لَهُ صاحِبُهُ مقرونة بما تقتضي الإهانة والإذلال وهو قوله أَكَفَرْتَ وفي الآية مقرونة بما يوجب التعظيم والإجلال وهو قوله ولا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا قالوا: والعجب أن الشيعة إذا حلفوا قالوا: وحق خمسة سادسهم جبريل. واستنكروا أن يقال: وحق اثنين الله ثالثهما. والاحتمال الذي ذكروه مدفوع بما روي أن أبا بكر هو الذي اشترى الراحلة للرسول وأن عبد الرحمن بن أبي بكر وأسماء بنت أبي بكر هما اللذان كانا يأتيانهما بالطعام مدة مكثهما في الغار وذلك ثلاثة أيام وقيل بضعة عشر يوما.
وروي أن جبريل عليه السلام أتاه وهو جائع فقال هذه أسماء قد أتتك بحيسة ففرح بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر به أبا بكر،
ولو كان أبو بكر قاصدا له لصاح بالكفار عند وصولهم إلى باب الغار، ولقال ابنه وابنته نحن نعرف مكان محمد. وكون حزنه معصية معارض بقوله تعالى لموسى لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى [طه: ٦٨] وقول الملائكة لإبراهيم لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ [الذاريات ٢٨] ثم إنا لا ننكر أن اضطجاع علي رضي الله عنه على فراش الرسول طاعة وفضيلة إلا أن صحبة أبي بكر أعظم لأن الحاضر أعلى حالا من الغائب، ولأن عليا رضي الله عنه ما تحمل المحنة إلا ليلة وأبو بكر مكث في الغار أياما، وإنما أختار عليا للنوم على فراشه لأنه كان صغيرا لم يظهر عنه بعد دعوة بالدليل والحجة ولا جهاد بالسيف والسنان بخلاف أبي بكر فإنه قد دعا حينئذ جماعة إلى الدين وكان يذب عن الرسول بالنفس والمال، فكان غضب الكفار على أبي بكر أشد من غضبهم على عليّ رضي الله عنه ولهذا لم يقصدوا عليا بضرب ولا ألم لما عرفوا أن المضطجع هو. ثم زعم أهل السنة أن الضمير في قوله فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ عائد إلى أبي بكر لا إلى الرسول لأنه أقرب المذكورين فإن التقدير: إذ يقول محمد لصاحبه أبي بكر ولأن الخوف كان حاصلا لأبي بكر والرسول كان آمنا ساكن القلب بما وعده الله من النصر، ولو كان خائفا لم يمكنه إزالة الخوف عن غيره بقوله لا تَحْزَنْ ولناسب أن يقال: فأنزل الله سكينته