عليه فقال لصاحبه لا تحزن. واعترض بأن قوله وَأَيَّدَهُ عطف على فَأَنْزَلَ فواجب أن يتحد الضميران في حكم العود. وأجيب بأن قوله وَأَيَّدَهُ معطوف على قوله فَقَدْ نَصَرَهُ والتقدير: إلا تنصروه فقد نصره في واقعة الغار وأيده في واقعة بدر والأحزاب وحنين بالملائكة، والظاهر أن الحزن لا يبعد أن يكون شاملا للنبي صلى الله عليه وسلم أيضا من حيث البشرية كقوله وَزُلْزِلُوا [البقرة: ٢١٤] ويكون في الكلام تقديم وتأخير والتقدير: فأنزل الله سكينته عليه إذ يقول، أو يكون فَأَنْزَلَ معطوفا على نصره. والمراد بالسكينة ما ألقي في قلبه من الأمنة التي سكن عندها قلبه وعلم أنه منصور لا محالة كقوله في قصة حنين ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ [التوبة: ٢٦] وقوله وَجَعَلَ يعني يوم بدر وسائر الوقائع كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا وهي دعوتهم إلى الكفر وعبادة الأصنام السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ وهي دعوته إلى الإسلام أو كلمة التوحيد لا إله إلا الله هِيَ الْعُلْيا وفي توسيط كلمة الفصل- أعني هي- تأكيد فضل كلمة الله في العلو وأنها المختصة بالعلاء دون سائر الكلم. قال الفراء: لا أحب قراءة نصب الكلمة لأن الأجود حينئذ أن يقال:
وكلمته هي العليا. ألا ترى أنك تقول: أعتق أبوك غلامه ولا تقول أعتق أبوك غلام أبيك؟
قلت: وفي الرفع أيضا الاستئناف وما في الجملة الاسمية من الثبات وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ قاهر غالب لا فعل له إلا الصواب.
ثم لما توعد من لا ينفر مع الرسول وضرب له من الأمثال ما وصف عقبه بالأمر الجزم فقال انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا قال المفسرون: أي خفافا في النفور لنشاطكم وثقالا عنه لمشقته عليكم، أو خفافا لقلة عيالكم وثقالا لكثرتهم، أو خفافا من السلاح وثقالا منه، أو ركبانا ومشاة، أو شبانا وشيوخا، أو مهازيل وسمانا، أو صحاحا ومراضا، والصحيح التعميم، وأن المراد انفروا سواء كنتم على الصفة التي يخف عليكم الجهاد معها أو على ضدها. قال الأكثرون: ظاهر هذا الأمر يقتضي تناول جميع الناس حتى المرضى والعاجزين ويؤيده ما
روي عن ابن أم مكتوم أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
أعليّ أن أنفر؟ قال: ما أنت إلا خفيف أو ثقيل فرجع إلى أهله ولبس سلاحه ووقف بين يديه فنزل قوله لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ [النور: ٦١]
وقال مجاهد: إن أبا أيوب شهد بدرا مع الرسول الله ولم يتخلف عن غزوات المسلمين ويقول: قال الله انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا فلا أجدني إلا خفيفا أو ثقيلا. وعن صفوان بن عمرو قال: كنت واليا على حمص فلقيت شيخا كبيرا قد سقط حاجباه من أهل دمشق على راحلته يريد الغزو فقلت:
يا عم لقد أعذر الله إليك. فرفع حاجبيه وقال: يا ابن أخي استنفرنا الله خفافا وثقالا إلا أنه