للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الآخر سواء في ذلك طرف الوجود وطرف العدم، وطرف العدم غير حاصل إلا بإرادة العدم فكيف يكون تعلق الإرادة به تحصيلا للحاصل؟ وأيضا عدم الشيء المخصوص ليس عدما محضا. أما قوله وَقِيلَ اقْعُدُوا فيحتمل أن يكون قد جعل إلقاء الله في قلوبهم كراهة الخروج أمرا بالقعود، ويحتمل أن يراد به قول الشيطان بطريق الوسوسة، أو قول بعضهم لبعض لما أرادوا الاجتماع على التخلف، أو هو قول الرسول كأنه غضب عليهم حين استأذنوه فقال على سبيل الزجر اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ فاغتنموا هذه اللفظة وقالوا قد أذن لنا فلهذا عوتب بقوله لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ أي لم ذكرت هذه اللفظة التي أمكنهم أن يتوسلوا بها إلى تحصيل غرضهم. ومعنى قوله مَعَ الْقاعِدِينَ ذم لهم وتعجيز وإلحاق بالنساء والصبيان والزمنى الذين شأنهم الجثوم في البيوت. رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ

قال المفسرون: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب عسكره على ثنية الوداع وضرب عبد الله بن أبي عسكره على ذي حدة- أسفل من ثنية الوداع- ولم يكن بأقل العسكرين، فلما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم تخلف عنه عبد الله بن أبي فيمن تخلف من المنافقين وأهل الريب فأنزل الله يعزي نبيه لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا

فيكون استثناء متصلا من أعم العام، وحمله على الاستثناء المنقطع بناء على أن التقدير ما زادوكم خيرا إلا خبالا ضعيف. والخبال في اللغة الفساد ومنه المخبل للمعتوه، وللمفسرين عبارات قال الكلبي: إلا شرا. وقال سلمان إلا مكرا. وقال الضحاك: إلا غدرا. وقيل: إلا خبثا. وقيل: هو الاضطراب في الرأي وذلك بتزيين أمر لقوم وتقبيحه لآخرين حتى يختلفوا وتتفرق كلمتهم. قالت المعتزلة: دلت الآية على أنه كره انبعاثهم لاشتماله على هذا الخبال والشر. وفيه دليل على أنه تعالى لا يريد إلا الخير والصلاح.

ولقائل: أن يقول إثبات حكم كلي بحكم جزئي غير معقول. واعلم أنه سبحانه عد من مفاسد خروجهم ثلاثة: الأول: قوله ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا الثاني: وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ قال في الكشاف: زيد ألف في الكتابة لأن الفتحة كانت تكتب ألفا قبل الخط العربي والخط العربي اخترع قريبا من نزول القرآن وقد بقي من ذلك الألف أثر في الطباع فكتبوا صورة الهمزة ألفا أخرى ونحوه أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ [الآية: ٢١] في النمل لَآتَوْها [الآية: ١٤] في الأحزاب ولا رابع لها في القرآن. وفي الإيضاع قولان لأهل اللغة فقال أكثرهم: هو متعد يقال: وضع البعير إذا عدا، وأوضعه الراكب إذا حمله على العدو. وعلى هذا يكون في الآية حذف والتقدير: ولأوضعوا ركائبهم. وقال الأخفش وأبو عبيد: إنه جاء لازما ويقال: أوضع الرجل إذا سار بنفسه سيرا حثيثا. ومنه ما

روي أن

<<  <  ج: ص:  >  >>