النبي صلى الله عليه وسلم أفاض من عرفة وعليه السكينة وأوضع في وادي محسر
أي أسرع. قال الواحدي: والآية تشهد للأخفش وأبي عبيد. وعلى القولين المراد في الآية السعي بين المسلمين بالتضريب والنميمة والمبالغة في الأول أكثر لأن الراكب أسرع من الماشي. ومعنى خِلالَكُمْ أي فيما بينكم. والخلل الفرجة فيما بين الشيئين.
ويَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ أي يبغون لكم. قال الأصمعي: يقال ابغني كذا وابغ لي أي اطلبه لأجلي. ومعنى الفتنة هنا افتراق الكلمة والتشويش في المقاصد فعند ذلك يحصل الانهزام أسرع ما يكون. فالحاصل من النوع الأول اختلاف الآراء، ومن الثاني المشي بالنميمة لتسهيل ذلك الغرض. وأما النوع الثالث فذلك قوله وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ قال مجاهد وابن زيد: أي عيون لهم ينقلون إليهم ما يسمعون منكم. وقال قتادة: فيكم من يسمع كلامهم ويقبل قولهم وإذا تعاضد الفاعل والقابل وقع الأثر على أكمل الوجوه لا محالة.
واعترض على هذا القول بأنه كيف يجوز ذلك على المؤمنين مع قوة دينهم؟ وأجيب بأن ذلك إنما يقع لمن قرب عهده بالإسلام أو لمن جبل على الجبن والفشل أو لمن حسن ظنه ببعض المنافقين لقرابة أو هيبة، وقلما يخلو الأقوياء من ضعيف سخيف أو أهل الحق من مبطل منافق ولهذا ختم الآية بقوله وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ الذين ظلموا أنفسهم بكفرهم ونفاقهم وغيرهم بإلقاء الفتنة فيما بينهم.
ثم سلى نبيه بتوهين كيد أهل النفاق قديما وحديثا فقال لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ أي من قبل وقعة تبوك.
قال ابن جريج: هو أن اثني عشر رجلا من المنافقين وقفوا على ثنية الوداع ليلة العقبة ليفتكوا بالنبي صلى الله عليه وسلم.
وقيل: المراد ما فعله عبد الله بن أبي يوم أحد حين انصرف عن النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه.
ومعنى الفتنة السعي في تشتيت شمل المسلمين والاختلاف الموجب للفرقة بعد الألفة فسلمهم الله منه وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حرفوها ودبروا كل الحيل والمكايد. ومنه فلان حوّل قلب إذا كان دائرا حول مصايد المكايد حَتَّى جاءَ الْحَقُّ الذي هو القرآن وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ غلب دينه وشرعه وَهُمْ كارِهُونَ رد الله مكرهم في نحرهم وأتى بضد مقصودهم. ولما كان الأمر كذلك في الماضي فكذا يكون الحال في المستقبل لقوله وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ [التوبة: ٣٢] وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي في القعود وَلا تَفْتِنِّي ولا توقعني في الفتنة وهي الإثم بأن لا تأذن لي فإني إن تخلفت بغير إذنك أثمت. احتمل أن يكون قد ذكره على سبيل السخرية أو على سبيل الجد بأن كان يغلب على ظن ذلك المنافق صدق محمد وإن كان غير جازم به بعد. وقيل: لا تفتني أي لا تلقني في التهلكة فإني إن