للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ

فلا حاجة إلى الإعادة.

ثم ذكر ما يدل على مزيد عظمته وجلاله وأنه لا يخرج أمر من الأمور من قضائه وتقديره فقال: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ وإنما فقد العاطف لأنهما كالتفسير والتفصيل لما دل عليه قوله: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ إلخ. والأمر الشأن أراد به أحوال الخلق وأحوال ملكوت السموات والأرض والعرش. والمعنى أنه يقضي ويقدر بمقتضى الحكمة ويفعل ما يفعله المصيب في أفعاله الناظر في أدبار الأمور وعواقبها لئلا يدخل في الوجود ما لا ينبغي. قال الزجاج: إن الكفار الذين خوطبوا بهذه الآية كانوا يقولون إن الأصنام شفعاؤنا عند الله فرد الله عليهم بأنه ليس لأحد أن يشفع إليه في شيء إلا بعد إذنه لأنه أعلم بموضع الحكمة والصواب فلا يجوز لهم أن يسألوه ما لا يعلمون أنه صواب وصلاح. ففي قوله: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ إشارة إلى استقلاله في التصرف في جانب المبدإ، وفي قوله ما مِنْ شَفِيعٍ إشارة إلى استقلاله في طرف المعاد. ويمكن أن يقال: المراد أنه خلق العالم على أحسن الوجوه وأقربها من الأصلح مع أنه ما كان هناك شفيع يشفع في تحصيل المصالح فدل ذلك على أنه محسن إلى عباده مريد للخير والرأفة بهم كامل العناية بأحوالهم. قال أبو مسلم: الشفيع معناه الثاني من الشفع الذي يخالف الوتر أي خلق السموات والأرض وحده ولا حي معه ولا شريك يعينه ثم خلق الملائكة والثقلين، والمراد أنه لم يدخل في الوجود أحد إلا من بعد أن قال له: «كن» حتى كان وحصل. ثم أشار إلى المعلوم بالأوصاف المذكورة فقال: ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ الذي يستأهل منكم العبادة بإزاء النعم الجسام من خلق السموات والأرض بما فيهما وعليهما فَاعْبُدُوهُ وحده أَفَلا تَذَكَّرُونَ فيه تنبيه على وجوب الاعتبار والنظر في الدلائل الدالة على عظمته وجلاله. ثم شرع في إثبات المعاد فقال: إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ أي رجوعكم جَمِيعاً مجموعين. وتقديم الجار والمجرور للاختصاص والمعنى لا ترجعون في العاقبة إلا إلى جزائه وحكمه فاستعدوا للقائه، ثم أكد ذلك بقوله: وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وفيه تأكيدان كما مر.

ثم قال: إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وهو استئناف فيه معنى التعليل كأنه قال إن الذي قدر على الإبداء يقدر على الإعادة بالطريق الأولى كقوله: وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ

[الواقعة: ٦١] يعني أنه سبحانه لما كان قادرا على إنشاء ذواتكم أوّلا ثم على إنشاء أجزائكم حال حياتكم ثانيا شيئا فشيئا من غير أن تكونوا عالمين بوقت حدوثه وبوقت نموّه، وجب القطع بأنه لا يمتنع عليه إعادة تلك الأجزاء بعد البلى والتفرق. ومن قرأ أنه بالفتح فعلى حذف لام التعليل أي لأنه، أو على أنه منصوب بالفعل الذي نصب

<<  <  ج: ص:  >  >>