للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تتبع الشهوات. والمزين هو الله تعالى أو النفس أو الشيطان مفرع عن مسألة الجبر والقدر وقد مر مرارا. قال العلماء: سمي الكافر مسرفا لأنه أنفق ماله من الاستعداد الشريف من القوى البدنية والأموال النفيسة في الأمور الخسيسة الزائلة من الأصنام التي هي أحقر من لا شيء، ومن الشهوات الفانية التي لا أصل لها ولا دوام. والمسرف في اللغة هو الذي ينفق المال الكثير لأجل الغرض الخسيس فصح ما قلنا.

ثم ذكر ما يجري مجرى الردع والزجر لهم عن إلقاء الشبه والأغاليط فقال: وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ وقد مضى تفسير القرن في أول الأنعام ولَمَّا ظرف لأهلكنا والواو في وَجاءَتْهُمْ للحال أي ظلموا بالتكذيب وقد جاءتهم رُسُلُهُمْ بالدلائل والحجج على صدقهم وهي المعجزات. وقوله: وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إما أن يكون عطفا على ظَلَمُوا أو يكون اعتراضا واللام لتأكيد النفي، وإن الله قد علم منهم أنهم يصرون على الكفر والسبب في إهلاكهم تكذيب الرسل وعلم الله بإصرارهم كَذلِكَ أي مثل ذلك الجزاء وهو الاستئصال الكلي نجزي كل مجرم، وفيه وعيد لأهل مكة على تكذيبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم خاطب الذين بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ أي استخلفناكم فِي الْأَرْضِ بعد تلك القرون لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ خيرا أو شرا.

استعير النظر للعلم الحقيقي الذي لا يتطرق إليه شك، ويعني به العلم الذي يتعلق به الجزاء كما مر في «الأعراف» . قال قتادة: صدق الله ربنا ما جعلنا خلفاء إلا لينظر إلى أعمالنا فأروا الله من أعمالكم خيرا بالليل والنهار. ثم حكى نوعا ثالثا من شبهاتهم فقال:

وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا أي لا يؤمنون بالمعاد لأن كل من كان مؤمنا بالنشور فإنه يرجو ثواب الله ويخاف عقابه، وانتفاء اللازم دليل انتفاء الملزوم. طلبوا من الرسول أحد أمرين: إما الإتيان بقرآن غير هذا القرآن مع بقاء هذا القرآن على حاله، وإما تبديل هذا القرآن بنسخ بعض الآيات ووضع أخرى في مكانها، فأمره الله تعالى أن يقول في جوابهم ما يَكُونُ لِي أي ما ينبغي وما يحل أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي من قبل نفسي فنفى عن نفسه أحد القسمين الذي هو أسهل وأقل ليلزم منه نفي الأصعب الأكثر بالطريق الأولى. ثم أكد الجواب بقوله: إِنْ أَتَّبِعُ أي ما أتبع إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إن نسخت آية تبعت النسخ وإن بدلت آية مكان آية تبعت التبديل. وقد تمسك بهذا نفاة القياس ونفاة جواز الاجتهاد. وأجيب بأن رجوعهما أيضا إلى الوحي.

ونقل عن ابن عباس أن قوله: إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ منسوخ بقوله: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [الفتح: ٢] وضعف بأن النسخ إنما

<<  <  ج: ص:  >  >>