للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعمالهم ومع ذلك فإني أحضر في موقف القيامة، مع كل قوم رسولهم حتى يشهد عليهم بالكفر والإيمان. فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ وشهد لهم أو عليهم قُضِيَ بَيْنَهُمْ والمراد منه المبالغة في إظهار العدل والنصفة فتكون الآية كقوله: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ [النساء: ٤١] ثم ذكر شبهة أخرى من شبهات الكفرة، وذلك أنه صلّى الله عليه وسلم كلما هددهم بنزول العذاب ومر زمان ولم يظهر ذلك العذاب كانوا يَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ استبعادا لنزوله وقدحا في نبوته وهذا مما يؤكد القول الأوّل في الآية المتقدمة، لأنه لا يجوز أن يقولوا متى هذا الوعد عند حضورهم في دار الآخرة لحصول اليقين والمعرفة حينئذ. وأيضا قوله: إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ لفظ الجمع موافق لقوله: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ ثم أمره أن يجيب بما يحسم مادة الشبهة وهو قوله: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا من مرض أو فقر وَلا نَفْعاً من صحة أو غنى إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ قال العلماء: إنه استثناء منقطع أي ولكن ما شاء الله من ذلك كائن فكيف أملك لكم الضر وجلب العذاب. ثم بين أن أحدا لا يموت إلا بالقضاء، وأن لعذاب كل طائفة أمدا محدودا لا يتجاوزه فلا وجه للاستعجال. فقال ولكل أمة أجل الآية. وقد مر تفسير الآية في أوائل الأعراف إلا أنه أدخل الفاء هاهنا في الجزاء، فإنه بنى الشرط على الاستئناف أو البيان بخلاف ما هنالك فإنه جعل الشرط مرتبا على قوله: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ [الأعراف:

٣٤] فلم يحسن الجمع بين الفاءين. ثم زيف رأيهم في استعجال العذاب مرة أخرى فقال:

قُلْ أَرَأَيْتُمْ أي أخبروني إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أي في حين الغفلة والراحة. أَوْ نَهاراً حين الاشتغال بطلب المعاش كما مر في أول الأعراف ماذا يَسْتَعْجِلُ أي شيء يستعجل مِنْهُ أي من العذاب الْمُجْرِمُونَ وإنما لم يقل «ماذا يستعجلون منه» دلالة على موجب ترك الاستعجال وهو الإجرام، لأن حق المجرم أن يخاف التعذيب على إجرامه وإن أبطأ مجيئه فضلا عن أن يستعجله. و «من» للبيان أو للابتداء والمعنى أن العذاب كله مر المذاق موجب للنفار فأيّ شيء يستعجلون منه وليس شيء منه يوجب الاستعجال؟ أو المراد التعجب كأنه قيل: أيّ شيء هائل شديد يستعجلون؟ وقيل: الضمير في «منه» لله تعالى وجواب الشرط محذوف وهو تندموا على الاستعجال أو تعرفوا الخطأ فيه. و «ماذا» الجملة مفعول أَرَأَيْتُمْ ويجوز أن يكون جوابا للشرط كقولك إن أتيتك ماذا تطعمني، ثم تتعلق الجملة ب أَرَأَيْتُمْ ويجوز أن يكون اعتراضا وجواب الشرط ثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ والمعنى إن أتاكم عذابه آمنتم به بعد وقوعه حين لا ينفعكم الإيمان، ودخول حرف الاستفهام على «ثم» كدخوله على الواو والفاء إلا أنه على إرادة القول أي قيل لهم إذا آمنوا بعد وقوع العذاب آلْآنَ آمنتم به وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ على جهة التكذيب والإنكار

<<  <  ج: ص:  >  >>