وقوله ثُمَّ قِيلَ عطف على قيل المضمر قبل آلْآنَ والحاصل ان الذي تطلبونه ضرر محض عار عن المنفعة، والعاقل لا يطلب مثل ذلك. وإنما قلنا إنه ضرر محض لأنه إذا وقع العذاب فإما أن تؤمنوا وإيمان اليأس غير مقبول، وإما أن لا تؤمنوا فيحصل عقيب ذلك عذاب آخر أشد وأدوم ويقال على سبيل الإهانة. ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ فإن قلتم إلهنا أنت الغني عن الكل فكيف يليق برحمتك هذا الوعيد والتهديد؟ أجبتم هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ فالجزاء مرتب على العمل ترتب المعلول على العلة كما يقوله الحكيم، أو ترتب الأجر الواجب عند المعتزلة، أو بحكم الوعد المحض عند أهل السنة. وتفسير الكسب مذكور في البقرة في قوله: لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ [الآية: ١٣٤] .
ثم حكى عنهم أنهم بعد هذه البيانات استفهموا تارة أخرى عن تحقيق العذاب فقال:
وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ وهو استخبار على جهة الاستهزاء والإنكار أي أحق ما تعدنا به من نزول العذاب في العاجل؟ وهذا السؤال جهل محض لأنه تقدم ذكره مع الجواب مرة واحدة فلا وجه للإعادة، ولأنه قد تبين بالبراهين القاطعة صحة نبوة محمد صلّى الله عليه وسلم فيلزم القطع بصحة كل ما يخبر عن وقوعه. وقيل: المراد أحق ما جئت به من القرآن والشرائع؟ وقيل: أي ما تعدنا من البعث والقيامة؟ فأمره الله تعالى أن يجيبهم بقوله: قُلْ إِي وَرَبِّي ومعناه نعم ولكنه مستعمل مع القسم البتة. وفائدة هذا القسم في جوابهم أن يكون قد أبرز الكلام معهم على الوجه المعتاد بينهم استمالة لقلوبهم. ومن الظاهر أن من أخبر عن شيء وأكده بالقسم فقد أخرجه عن حد الهزل وأدخله في باب الجد. فقد يكون هذا القدر مقنعا إذا لم يكن الخصم ألد. ثم أكد مضمون المقسم عليه بقوله وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فائتين العذاب.
والغرض التنبيه على أن أحدا لا يدافع نفسه عما أراد الله وقضى. ثم زاد في التأكيد بقوله:
وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ الآية. وقد مر مثله في «آل عمران» و «المائدة» . وقوله: ظَلَمَتْ صفة لنفس. أما قوله: وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ فقد قيل: الإسرار بمعنى الإظهار والهمزة للسلب أي أظهروا الندامة حينئذ لضعفهم وليس هناك تجلد. والمشهور أنه الإخفاء وسببه أنهم بهتوا حين عاينوا ما سلبهم قواهم فلم يطيقوا صراخا ولا بكاء، أو أخفوا الندامة من سفلتهم وأتباعهم حياء منهم وخوفا من توبيخهم. وهذا التزوير في أول ما يرون العذاب، أما عند إحاطة النار بهم فلا يبقى هذا التماسك، أو أراد بالإخفاء الإخلاص لأن من أخلص في الدعاء أسره، وفيه تهكم بهم وبإخلاصهم لأنهم أتوا بذلك في غير وقته وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ قيل: أي بين المؤمنين والكافرين. وقيل: بين الرؤساء والأتباع، وقيل: بين الكفار بإنزال العقوبة عليهم. وقيل: بين الظالمين من الكفار والمظلومين منهم فيكون في