للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى أن الملائكة خلقت قبل العرش والماء ليعتبروا بهما وإلا لزم أن يكون خلقهما قبل أن يعتبر بهما عبثا إذ لا يتصور عود نفعهما إليه تعالى. وقال أبو مسلم: العرش البناء أي بناؤه للسموات كان على الماء. وقال حكماء الإسلام: المراد بالماء تحركه شبه سيلان الماء أي وكان عرشه يتحرك. وبالجملة مقصود الآية بيان كمال قدرته في إمساك الجرم العظيم على الصغير. أما قوله: لِيَبْلُوَكُمْ فالمعتزلة قالوا: اللام للتعليل، وذلك أنه خلق هذا العالم الكبير لأجل مصالح المكلفين وأن يعاملهم معاملة المختبر المبتلى لأحوالهم كيف يعملون فيجازي كل فريق بما يستحقه. والأشاعرة قالوا: إن أحكامه غير معللة بالمصالح ومعناه أنه فعل فعلا لو كان يفعله من يجوز عليه رعاية المصالح لما فعله إلا لهذا الغرض. وإنما علق فعل البلوى لما في الاختبار من معنى العلم لأنه طريق إلى العلم فهو ملابس له كالنظر والاستماع في قولك: انظر أيهم أحسن وجها واسمع أيهم أحسن كلاما. قال في الكشاف: الذين هم أحسن عملا هم المتقون، وإنما خصهم بالذكر وطرح ذكر من وراءهم من الفساق والكفار تشريفا لهم. قلت ويجوز أن يقال إن أحسن بمعنى حسن ليشمل الخطاب جميع المكلفين. ثم لما كان الابتلاء يتضمن حديث البعث أتبع ذلك قوله: وَلَئِنْ قُلْتَ الآية. والإشارة في قوله: إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ إلى البعث أي هو باطل كبطلان السحر أو إلى القرآن لأنه الناطق بالبعث، فإذا جعلوه سحرا فقد اندرج تحته إنكار ما فيه من البعث. وقال القفال: معناه أن هذا القول خديعة منكم وضعتموها لمنع الناس عن لذات الدنيا واجتذابهم إلى الانقياد لكم والدخول تحت طاعتكم. ومن قرأ ساحر فالإشارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم. ثم بين أنه متى تأخر عنهم العذاب الذي توعدهم الرسول به أخذوا في الاستهزاء وقالوا ما الذي حبسه عنا فقال: وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الآية.

والأمة اشتقاقها من الأم وهو القصد والمراد بها الوقت المقصود لإيقاع الموعود. وقيل:

هي في الأصل الجماعة من الناس وقد يسمى الحين باسم ما يحصل فيه كقولك: كنت عند فلان صلاة العصر أي في ذلك الحين. فالمراد إلى حين ينقضي أمة معدودة من الناس. وقال في الكشاف: أي جماعة من الأوقات. والعذاب عذاب الآخرة. وقيل:

عذاب يوم بدر. عن ابن عباس: قتل جبريل المستهزئين. ومعنى ما يَحْبِسُهُ أيّ شيء يمنعه من النزول استعجالا له على جهة الاستهزاء والتكذيب فأجابهم الله بقوله: أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ وهو متعلق بخبر ليس أي ليس العذاب مصروفا عنهم يوم يأتيهم. واستدل به من جوز تقديم خبر ليس على ليس لأنه إذا جاز تقديم معمول الخبر عليها فتقديم الخبر عليها أولى وإلا لزم للتابع مزية على المتبوع. ثم قال: وَحاقَ بِهِمْ أي أحاط بهم ما كانُوا بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>