يَسْتَهْزِؤُنَ أراد يستعجلون ولكنه وضع يَسْتَهْزِؤُنَ موضعه لأن استعجالهم للعذاب كان على وجه الاستهزاء. وإنما قال: وَحاقَ بلفظ الماضي لأنه جعله كالواقع. ثم حكى ضعف حال الإنسان في حالتي السراء والضراء فقال: وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ الآية.
واختلف المفسرون فقيل: الإنسان مطلق بدليل صحة الاستثناء في قوله: إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا ولأن هذا النوع مجبول على الضعف والنقص والعجلة وقلة الثبات. وقيل: المراد الكافر، والاستثناء منقطع واللام للعهد. وقد مر ذكر الكافر، ولأن وصف اليأس والكفران والفرح المفرط بالأمور الزائلة والفخر بها لا يليق إلا بالكافر، وذلك أنه يعتقد أن السبب في حصول تلك النعم من الأمور الاتفاقية، فإذا زالت استبعد حدوثها مرة أخرى فيقع في اليأس الشديد، وعند حصولها كان ينسبها إلى الاتفاق فلا يشكر الله بل يكفره، وإذا انتقل من مكروه إلى محبوب ومن محنة إلى محنة اشتد فرحه بذلك وافتخر بها لذهوله عن السعادات الأخروية الروحانية فيظن أنه قد فاز بغاية الأماني ونهاية المقاصد. وأما المؤمن فحاله على العكس ولذلك استحق وعد الله بالمغفرة والأجر الكبير. أما تفسير الألفاظ فالإذاقة والذوق أقل ما يوجد به الطعم، وفيه دليل على أن الإنسان لا يصبر عن أقل القليل ولا عليه، وفيه أن جميع نعم الدنيا في قلة الاعتبار وسرعة الزوال تشبه حلم النائمين وخيالات المبرسمين. والرحمة النعمة من صحة أو أمن أو جدة، ونزعها سلبها.
واليؤوس والكفور بناءان للمبالغة، والنعماء إنعام يظهر أثره على صاحبه، والضراء مضرة كذلك. قال الواحدي لأنها أخرجت مخرج الأحوال الظاهرة نحو حوراء وعوراء.
والسيئات يريد بها المصائب التي ساءته. ثم سلى نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: فَلَعَلَّكَ تارِكٌ قال ابن عباس: إن رؤساء مكة قالوا: إن كنت رسولا فاجعل لنا جبال مكة ذهبا أو ائتنا بالملائكة ليشهدوا لك فخاطب الله سبحانه نبيه بقوله: فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ واختلفوا في ذلك البعض فعن ابن عباس أن المشركين قالوا له: ائتنا بكتاب ليس فيه شتم آلهتنا حتى نتبعك ونؤمن بكتابك. وقال الحسن: طلبوا منه صلى الله عليه وسلم أن يترك قوله: إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ [طه: ١٥] وأجمع المسلمون على أنه لا يجوز على الرسول أن يترك بعض ما أوحى الله إليه لأنه ينافي المقصود من الرسالة المعتبر فيها الأمانة، فأوّلوا الآية بأن أمثال هذه التهديدات لعلها سبب عدم التقصير في أداء الوحي فلهذا خوطب بها، أو لعله كان صلى الله عليه وسلم بين محذورين: أحدهما ترك أداء شيء من الوحي، وثانيهما أنهم كانوا يتلقون الوحي بالطعن والاستهزاء، فنبه بالآية على أن تحمل الضرر الثاني أهون وإذا وقع الإنسان بين مكروهين وجب أن يختار أسهلهما، والعربي يقول لغيره إذا أراد أن يزجره: لعلك تفعل كذا أي لا