فيها مقدرين أن إجراءها وإرساءها باسم الله تعالى. يقال: رسا الشيء يرسو إذا ثبت، وأرساه غيره.
يروى أنها سارت لأول يوم من رجب أو لعشر مضين منه فسارت ستة أشهر ثم استوت على الجودي يوم العاشر من المحرم.
ويروى أنها مرت بالبيت وطافت به سبعا فأعتقها الله من الغرق.
البحث الثالث قوله: إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ كيف ناسب مقام الإهلاك وإظهار العزة؟ والجواب كان القوم اعتقدوا أنهم نجوا ببركة إيمانهم وعملهم، فنبههم الله تعالى بهذا الذكر على أن الإنسان في كل حال من أحواله لا ينفك عن ظلمات الخطأ والزلل فيحتاج إلى مغفرة الله ورحمته. وفي الآية إشارة إلى أن العاقل إذا ركب في سفينة الفكر ينبغي أن يكون قد برىء من حوله وقوته وقطع النظر عن الأسباب وربط قلبه وعلق همته بفضل واهب العقل فيقول بلسان الحال باسم الله مجريها ومرسيها حتى تصل سفينة فكره إلى ساحل الإيقان، وتتخلص عن أمواج الشبه والظنون والأوهام.
قال في الكشاف: وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ متصل بمحذوف كأنه قيل: فركبوا فيها يقولون باسم الله وهي تجري بهم وهم فيها فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ في التراكم والارتفاع، فلعل الأمواج أحاطت بالسفينة من الجوانب فصارت كأنها في داخل تلك الأمواج.
واختلف المفسرون في قوله: وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ فالأكثرون على أنه ابن له في الحقيقة لئلا يلزم صرف الكلام عن الحقيقة الى المجاز من غير ضرورة، ولا استبعاد في كون ولد النبي كافرا كعكسه. واعترض على هذا القول بأنه كيف ناداه مع كفره وقد قال: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً؟ [نوح: ٢٦] وأجيب بأنه كان منافقا وظن نوح أنه مؤمن أو ظن أنه كافر إلا أنه توقع منه الإيمان عند مشاهدة العذاب بدليل قوله: وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ أو لعل شفقة الأبوة حملته على ذلك النداء. وعن محمد بن علي الباقر والحسن البصري أنه كان ابن امرأته ويؤيده ما روي أن عليا رضي الله عنه قرأ ونادى نوح ابنها ويؤكد هذا الظن قوله: إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي دون أن يقول «إنه مني» وقيل: إنه ولد على فراشه لغير رشدة وإليه الإشارة بقوله تعالى فَخانَتاهُما [التحريم: ١٠] ورد هذا القول بأنه يجب صون منصب الأنبياء عن مثل هذه الفضيحة لقوله: الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ [النور: ٢٦] وفسر ابن عباس تلك الخيانة بأن امرأة نوح كانت تقول زوجي مجنون.
وامرأة لوط دلت الناس على ضيفه. وقوله: وَكانَ فِي مَعْزِلٍ هو مفعل من عزله عنه إذا نحاه أو أبعده أي كان في مكان عزل فيه نفسه عن أبيه وعن السفينة وعمن فيها، أو كان في معزل عن دين أبيه. وقيل في معزل عن الكفار ولهذا ظن نوح أنه يريد مفارقة الكفرة، ولكن قوله: وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ لا يساعد هذا القول. وقوله يا بُنَيَّ بكسر الياء