للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وغيرهما ولما استحق هذا الثناء والله أعلم بحقائق الأمور.

وقوله: وَاسْتَبَقَا الْبابَ أي تسابقا إليه على حذف الجار وإيصال الفعل مثل وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ [الأعراف: ١٥٥] أو على تضمين استبقا معنى ابتدرا. وإنما وحد الباب لأنه أراد الداني لا جميع الأبواب التي غلقتها. روى كعب أنه لما هرب يوسف جعل فراش القفل يتناثر ويسقط حتى حرج من الأبواب وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ لأنها اجتذبته من خلفه فانقد أي انشق طولا وَأَلْفَيا سَيِّدَها صادفا بعلها وهو قطفير. وإنما لم يقل سيدهما لأن ملك يوسف لم يكن ملكا في الحقيقة. روي أنهما ألفياه مقبلا يريد أن يدخل وقيل جالسا مع ابن عم للمرأة. ثم إنه كان للسائل أن يسأل فما قالت المرأة إذ ذاك؟

فقيل: قالت: ما جَزاءُ هي استفهامية أو نافية معناه أي شيء جزاؤه، أو ليس جزاؤه إلا السجن أو العذاب الأليم. وربما فسر العذاب الأليم بالضرب بالسياط جمعت بين غرضين تنزيه ساحتها عند زوجها من الريبة والغضب على يوسف وتخويفه طمعا في أن يواتيها خوفا وإن لم يواتها طوعا. ثم إنها لحبها يوسف راعت دقائق المحبة فذكرت السجن أوّلا ثم العذاب لأن المحب لا يريد ألم المحبوب ما أمكن. وأيضا لم تصرح بذكر يوسف وأنه أراد بها سوءا بل قصدت العموم ليندرج يوسف فيه. وفي قولها: إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ إشعار بأن ذلك السجن غير دائم بخلاف قول فرعون لموسى لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ [الشعراء: ٢٩] ففيه إشعار بالتأبيد قالَ يوسف هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وإنما صرح بذلك لأنها عرضته للسجن والعذاب فوجب عليه الدفع عن نفسه ولولا ذلك لكتم عليها.

قال سبحانه وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها قال جمع من المفسرين: الشاهد ابن عم المرأة وكان رجلا حكيما، اتفق في ذلك الوقت أنه كان مع العزيز فقال: قد سمعت الجلبة من وراء الباب وشق القميص إلا أنا لا ندري أيكما قدام صاحبه، فإن كان شق القميص من قدام فأنت صادقة والرجل كاذب، وإن كان من خلف فالرجل صادق وأنت كاذبة، فلما نظروا إلى القميص ورأوا الشق من خلفه قال ابن عمها: إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ وعن ابن عباس وسعيد بن جبير والضحاك أن الشاهد ابن خال لها وكان صبيا في المهد

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه «تكلم أربعة وهم صغار: ابن ماشطة بنت فرعون، وشاهد يوسف، وصاحب جريج، وعيسى ابن مريم» «١»

وعن مجاهد: الشاهد هو القميص المشقوق من خلف وضعف بأن القميص لا يوصف بالشهادة ولا بكونه من الأهل، واعترض على القول الأول


(١) رواه أحمد في مسنده (٢/ ٣٠٧) بدون «شاهد يوسف» .

<<  <  ج: ص:  >  >>