بأن العلامة المذكورة لا تدل قطعا على براءة يوسف لاحتمال أن الرجل قصد المرأة وهي قد غضبت عليه ففر فعدت خلفه كي تدركه وتضربه ضربا وجميعا. وأجيب بأن هناك أمارات أخر منها أن يوسف كان عبدا لهم والعبد لا يمكنه أن يتسلط على مولاه إلى هذا الحد، ومنها قرينة الحال كتزين المرأة فوق المعتاد وما شوهد من أحوال يوسف في مدة إقامته بمنزلهم. واعتراض على القول الثاني بأن شهادة الصبي أمر خارق للعادة فتكون حجة قطعية فلم يبق للاستدلال بحال القميص ولا لكونه من أهلها فائدة. وأيضا لفظ شاهِدٌ لا يقع في العرف إلا على من تقدمت معرفته بالواقعة. والجواب أن تعيين الطريق في الإخبار والإعلام غير لازم، وكون الشاهد من أهلها أوجب للحجة عليها وألزم لها والشاهد هاهنا مجاز ووجه حسنه أنه أدى مؤدى الشاهد حيث ثبت به قول يوسف وبطل قولها. قال في الكشاف: التنكير في «قبل» و «دبر» معناه من جهة يقال لها قبل ومن جهة يقال لها دبر. أما الضمير في قوله: فَلَمَّا رَأى وفي قوله: قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ فقيل:
إنه للشاهد الذي هو ابن عمها كما ذكرنا أي إن قولك وهو ما جزاء من أراد بأهلك سوءا، أو إن هذا الأمر وهو الذي أفضى إلى هذه الريبة من عملكن إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ قال بعض العلماء: أنا أخاف النساء أكثر مما أخاف الشيطان لأنه تعالى يقول: إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً [النساء: ٧٦] وقال للنساء: إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ وأقول: لا شك أن القرآن كلام الله إلا أن هذا حكاية قول الشاهد فلا يثبت به ما ادعاه ذلك العالم ولو سلم فالمراد إن كيد الشيطان ضعيف بالنسبة إلى ما يريد الله تعالى إمضاءه وتنفيذه، وكيد النساء عظيم بالنسبة إلى كيد الرجال فإنهم يغلبنهم ويسلبن عقولهم إذا عرضن أنفسهن عليهم ولهذا
قال صلى الله عليه وسلم:«النساء حبائل الشيطان» .
ثم قال الشاهد: يُوسُفُ أي يا يوسف فحذف حرف النداء أَعْرِضْ عَنْ هذا الأمر واكتمه ولا تحدّث به وَاسْتَغْفِرِي يا امرأة لِذَنْبِكِ والاستغفار إما من الزوج أو من الله تعالى لأنهم كانوا يثبتون الإله الأعظم ويجعلون الأصنام شفعاء ولهذا قال يوسف لصاحبه في السجن أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ [يوسف: ٣٩] إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ من المتعمدين للذنب. يقال: خطىء إذا أذنب متعمدا والتذكير للتغليب. وقيل: الضمير في رَأى وفي قالَ لزوج المرأة وأنه كان قليل الغيرة فلذلك اكتفى منها بالاستغفار قاله أبو بكر الأصم. وَقالَ نِسْوَةٌ هو اسم مفرد لجمع المرأة وتأنيثه غير حقيقي ولذلك حسن حذف التاء من فعله وقد تضم نونها. قال الكلبي:
هن أربع في مدينة مصر: امرأة الساقي وامرأة الخباز وامرأة صاحب الدواب وامرأة صاحب