لَهُنَّ من الإسناد المجازي لأن الآكلين أهل تلك السنين لا السنون إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ تحرزون وتخبئون. والإحصان جعل الشيء في الحصن كالإحراز جعل الشيء في الحرز أخبر أنه يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس من الغوث، أو من الغيث يقال: غيثت البلاد إذا مطرت وَفِيهِ يَعْصِرُونَ العنب والزيتون والسمسم. وقيل: يحلبون الضروع، تأول البقرات السمان والسنبلات الخضر بسنين مخاصيب والعجاف واليابسات بالسنين، ثم بشرهم بالبركة في العام الثامن. فقال المفسرون: إنه قد عرف ذلك بالوحي.
عن قتادة: زاده الله علم سنة. وقيل: عرف استدلالا فليس بعد انتهاء الجدب، إلا الخصب. والجواب أنه لا يلزم من انتهاء الجدب الخصب والخير الكثير فقد يكون توسط الحال. وأيضا في قوله: وَفِيهِ يَعْصِرُونَ نوع تفصيل لا يعرف إلا بالوحي. ولما رجع الشرابي إلى الملك وعرض عليه التعبير استحسنه وقال: ائْتُونِي بِهِ فجعل الله سبحانه علمه مبدأ لخلاصه من المحنة الدنيوية فيعلم منه أن العلم سبب للخلاص من المحن الأخروية أيضا. فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ وهو الشرابي فقال: أجب الملك. قالَ يوسف ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ما شأنهن وما حالهن إِنَّ رَبِّي أي الله العالم بخفيات الأمور أو العزيز الذي رباه بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ وعلى الأول أراد إنه كيد عظيم لا يعلمه إلا الله لبعد غوره، أو استشهد بعلم الله على أنهن كذبة، أو أراد الوعيد أي هو عليم بكيدهن فيجازيهن عليه. وكيدهن ترغيبهن إياه في مواقعة سيدته أو تقبيح صورته عند العزيز حتى يرضى بسجنه. ومن لطائف الآية أنه أراد فسأل الملك أن يسأل ما بالهن إلا أنه راعى الأدب فاقتصر على سؤال الملك عن كيفية الواقعة فإن ذلك مما يهيجه على البحث والتفتيش. ومنها أنه لم يذكر سيدته بسوء بل ذكر النسوة على التعميم ومع ذلك راعى جانبهن أيضا فوصفهن بتقطيع الأيدي فقط لا بالترغيب في الخيانة.
عن النبي صلى الله عليه وسلم:«لقد عجبت من يوسف وكرمه وصبره والله يغفر له حين سئل عن البقرات العجاف والسمان ولو كنت مكانه ما أخبرتهم حتى أشترط أن يخرجوني. ولقد عجبت منه حين أتاه الرسول فقال ارجع إلى ربك ولو كنت مكانه ولبثت في السجن ما لبث لأسرعت الإجابة وبادرتهم الباب ولما ابتغيت العذر إن كان لحليما ذا أناة»«١» .
قال العلماء: الذي عمله يوسف هو اللائق بالحزم والعقل، لأنه لو خرج في الحال فربما بقي في قلب الملك من تلك التهمة أثر، ولعل الحساد يتسلقون بذلك إلى تقبيح أمره عنده،
(١) رواه البخاري في كتاب التعبير باب: ٩. كتاب الأنبياء باب: ١١، ١٩. مسلم في كتاب الإيمان حديث ٢٣٨. الترمذي في كتاب تفسير سورة ١٢ باب: ١. أحمد في مسنده (٦/ ٣٢٦، ٣٣٢) .