ويلبس العمائم» وإن لم يركب إلا فرسا واحدا ولم يلبس إلا عمامة واحدة. ويجوز أن يكون قد قص عليهم أحلاما أخر. واللام في الْأَحْلامِ اما للعهد كأنهم أرادوا المنامات الباطلة، أو للجنس وأرادوا أنهم غير متبحرين في علم تأويل الرؤيا. ولما أعضل على الملأ تأويل رؤيا الملك تذكر الناجي يوسف وتأويله رؤياه ورؤيا صاحبه المصلوب، وتذكر قوله: اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ وذلك قوله سبحانه: واذكر وأصله «اذتكر» قلبت التاء والذال كلاهما دالا مهملة وأدغمت. بَعْدَ أُمَّةٍ أي بعد حين كأنها حصلت من اجتماع أيام كثيرة. وقرىء بكسر الهمزة وهي النعمة أي بعد ما أنعم عليه بالنجاة، وقرىء بَعْدَ أُمَّةٍ بوزن عمه. ومعنى أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ أخبركم به عمن عنده علمه فَأَرْسِلُونِ إليه لأسأله والخطاب للملك والجمع للتعظيم أو له وللملأ حوله. والمعنى مروني باستعباره.
وعن ابن عباس: لم يكن السجن في المدينة. وهاهنا إضمار والمراد فأرسلوه إلى يوسف فأتاه فقال يُوسُفُ أي يا يوسف أَيُّهَا الصِّدِّيقُ البليغ الكامل في الصدق وصفه بهذه الصفة لأنه تعرف أحواله من قبل. وفيه أنه يجب على المتعلم تقديم ما يفيد المدح لمعلمه. وإنما أعاد عبارة الملك بعينها لأن التعبير يختلف باختلاف العبارات. وقوله:
لَعَلِّي أَرْجِعُ فيه نوع من حسن الأدب لأنه لم يقطع بأنه يعيش إلى أن يعود إليهم، وعلى تقدير أن يعيش فربما عرض له ما يمنعه عن الوصول إليهم من الموانع التي لا تحصى كثرة. وكذا في قوله: لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ فضلك ومكانك من العلم فيخلصوك أو يعلمون فتواك فيكون فيه نوع شك لأنه رأى عجز سائر المعبرين. وقيل: كرر لعل مراعاة لفواصل الآي وإلا كان مقتضى النسق لعلي أرجع إلى الناس فيعلموا، ومثله في هذه السورة لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [يوسف: ٦٢] .
قالَ يوسف في جواب الفتوى تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ وهو خبر في معنى الأمر يفيد المبالغة في إيجاب إيجاد المأمور به. قال في الكشاف: والدليل على كونه في معنى الأمر قوله: فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ وأقول: يمكن أن يكون قوله: تَزْرَعُونَ إخبارا عما سيوجد منهم في زمن الغيث والمطر، لأن الزرع يلزم بنزول الأمطار عادة، وقوله: فَما حَصَدْتُمْ إرشاد لهم إلى الأصلح لهم في ذلك الوقت. ودَأَباً بتسكين الهمزة وتحريكها مصدر دأب في العمل إذا استمر عليه. وانتصابه على الحال أي تزرعون ذوي دأب، أو على المصدر والعامل فعله أي تدأبون دأبا. وإنما أمرهم بأن يتركوه في السنابل إلا القدر الذي يأكلونه في الحال لئلا يقع فيه السوس. ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فيه دليل على أن تَزْرَعُونَ إخبار لا أمر سَبْعٌ سنين شِدادٌ على الناس يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ