أي على صفته فأعطاه على ضعفه من كل صفة من صفات جماله وجلاله أنموذجا ليشاهد في مرآة نفسه جمال صفات ربه. ومن العجائب أن خرطومه في غاية الصغر، ومع ذلك مجوف. ومع فرط صغره وكونه مجوفا يغوص في جلد الجاموس والفيل على ثخانته كما يضرب الرجل أصبعه في الخبيص، وذلك لما ركب الله تعالى في رأس خرطومه من السم.
وقوله فَما فَوْقَها أي فالذي هو أعظم منها في الجثة كالذباب والعنكبوت والحمار والكلب، فإن القوم أنكروا تمثيل الله بكل هذه الأشياء، أو أراد فما فوقها في الصغر كجناح البعوضة حيث ضربه صلى الله عليه وسلم مثلا للدنيا، وهذا أولى لأن الآية نزلت في بيان أن الله تعالى لا يمتنع من التمثيل بالشيء الحقير، فيجب أن يكون المذكور ثانيا أحقر من الأول. والفاء هاهنا تفيد الترتيب في الذكر لأنه يذكر في هذا المقام الأخس فالأخس كقوله:
«يا دار مية بالعلياء فالسند» لأنه يذكر في تعريف الأمكنة الأخص بعد الأعم، فكأن العلياء موضع وسيع يشتمل على مواضيع منها السند. وَأَمَّا حرف فيه معنى الشرط ولذلك يجاب بالفاء، وفائدته التوكيد. تقول: زيد ذاهب. فإذا قصدت التوكيد وأن الذهاب منه عزيمة قلت: أما زيد فذاهب ولذلك قال سيبويه في تفسيره. «مهما يكن من شيء فزيد ذاهب» وليس مراده من هذا التفسير أن «أما» بمعنى «مهما»«كيف» - وهذه حرف ومهما اسم- بل قصده إلى المعنى البحث أي إن يكن في الدنيا شيء يوجد ذهاب زيد فهذا، جزم بوقوع ذهابه لأنك جعلت حصول ذهابه لازما لحصول أي شيء في الدنيا، وما دامت الدنيا باقية فلا بد من حصول شيء فيها. ففي إيراد الجملتين مصدرتين به وإن لم يقل فالذين آمنوا يعلمون والذين كفروا يقولون إحماد عظيم لأمر المؤمنين واعتداد بعلمهم أنه الحق، ونعي على الكافرين ورميهم بالكلمة الحمقاء. والحق الثابت الذي لا يسوغ إنكاره وحق الأمر ثبت ووجب. والضمير في أَنَّهُ الْحَقُّ للمثل، أو ل أَنْ يَضْرِبَ وماذا فيه وجهان: أن يكون «ذا» اسما موصولا بمعنى الذي، فيكون كلمتين:«ما» مبتدأ وخبره «ذا» مع صلته، وأن تكون «ذا» مركبة مع «ما» مجعولتين اسما واحدا، فيكون منصوب المحل في حكم «ما» وحده لو قلت: ما أراد الله، وجوابه على الأول مرفوع وعلى الثاني منصوب. وقد يجيء على العكس
(١) رواه أحمد في مسنده (٢/ ٢٤٢، ٢٥١) . البخاري في كتاب الاستئذان باب ١. مسلم في كتاب البر حديث ١١٥.