كما تقول في جواب من قال: ما رأيت خير «أي المرئي خير» . وفي جواب: ما الذي رأيت خيرا «أي رأيت خيرا» . والإرادة نقيض الكراهة، قال الإمام الرازي: الإرادة ماهية يجدها العاقل من نفسه ويدرك التفرقة البديهية بينها وبين علمه وقدرته وألمه ولذته. والمتكلمون أنها صفة تقتضي رجحان أحد طرفي الجائز على الآخر، لا في الوقوع بل في الإيقاع.
واحترز بهذا القيد الأخير عن القدرة. واختلفوا في كونه تعالى مريدا مع اتفاق المسلمين على إطلاق هذا اللفظ على الله تعالى. فزعم النجار أنه معنى سلبي ومعناه أنه غير ساه ولا مكره. ومنهم من قال: إنه أمر ثبوتي. ثم اختلفوا فالجاحظ والكعبي وأبو الحسين البصري: معناه علمه تعالى باشتمال الفعل على المصلحة أو المفسدة، ويسمون هذا العلم بالداعي أو الصارف. والأشاعرة وأبو علي وأبو هاشم وأتباعهم: أنه صفة زائدة على العلم. ثم القسمة في تلك الصفة أنها إما أن تكون ذاتية وهو القول الآخر للنجار، وإما أن تكون معنوية، وذلك المعنى إما أن يكون قديما وهو قول الأشعري، أو محدثا وذلك المحدث إما أن يكون قائما بالله تعالى وهو قول الكرّامية، أو قائما بجسم آخر ولم يقل به أحد، أو موجودا لا في محل وهو قول أبي علي وأبي هاشم وأتباعهما. وفي قوله ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا استرذال واستحقار كما قالت عائشة في عبد الله بن عمرو بن العاص حين أفتى بنقض ذوائب النساء في الاغتسال «يا عجبا لابن عمرو هذا» محقرة له. ومَثَلًا نصب على التمييز كقولك لمن أجاب بجواب غث «ماذا أردت بهذا جوابا» ولمن حمل سلاحا رديئا «كيف تنتفع بهذا سلاحا» أو على الحال نحو هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً [هود: ٦٤] وقوله يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً جار مجرى التفسير والبيان للجملتين المصدرتين ب أَمَّا وأهل الهدى كثير في أنفسهم وحيث يوصفون بالقلة وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ [سبأ: ١٣] وَقَلِيلٌ ما هُمْ [ص: ٦٤] إنما يوصفون بها بالقياس إلى أهل الضلال. وأيضا فإن المهديين كثير في الحقيقة وإن قلوا في الصورة.
إن الكرام كثير في البلاد وإن ... قلوا كما غيرهم قل وإن كثروا
وإسناد الإضلال إلى الله تعالى إسناد الفعل إلى السبب البعيد، لأنه لما ضرب المثل ازداد به المؤمنون نورا إلى نورهم فتسبب لهديهم، وازدادت الكفرة رجسا إلى رجسهم فتسبب لضلالهم عن الحق. والفسق الخروج عن القصد قال رؤبة:
فواسقا عن قصدها جوائر ... يذهبن في نجد وغورا غائرا
والفاسق في الشريعة الخارج عن أمر الله بارتكاب الكبيرة، وهو عند أهل السنة من