للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعني الحاضرين عنده تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ أي فيما كنت فيه قدما من البعد عن الصواب في إفراط محبة يوسف كما قال بنوه إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [يوسف: ٨] .

وقيل: لفي شقائك القديم بما تكابد على يوسف من الأحزان. قال الحسن: إنما قالوا هذه الكلمة الغليظة لاعتقادهم أن يوسف قد مات. فَلَمَّا أَنْ جاءَ «أن صلة» أي فلما جاء مثل فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ [هود: ٧٤] وقيل: هي مع الفعل في محل الرفع بفعل مضمر أي فلما ظهر أن جاء البشير وهو يهوذا أَلْقاهُ طرحه البشير أو يعقوب على وجهه فَارْتَدَّ بَصِيراً أي انقلب من العمى إلى البصر أو من الضعف إلى القوة قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ جوز في الكشاف أن يكون مفعوله محذوفا وهو قوله: إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ أو قوله: وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ ويكون قوله: إِنِّي أَعْلَمُ كلاما مستأنفا. والظاهر أن مفعوله قوله: إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ وذلك أنه كان قال لهم: نَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ.

روي أنه سأل البشير كيف يوسف؟ فقال:

هو ملك مصر. قال: ما أصنع بالملك على أي دين تركته؟ قال: على دين الإسلام. قال:

الآن تمت النعمة.

ثم إن أولاده أخذوا يعتذرون إليه فوعدهم الاستغفار. قال ابن عباس والأكثرون: أراد أن يستغفر لهم في وقت السحر لأنه أرجى الأوقات إجابة. وعن ابن عباس في رواية أخرى أخر إلى ليلة الجمعة تحريا لوقت الإجابة. وقيل: أخر لتعرف حالهم في الإخلاص. وقيل: استغفر لهم في الحال ووعدهم دوام الاستغفار في الاستقبال. فقد روي أنه كان يستغفر لهم كل ليلة جمعة في نيف وعشرين سنة.

روي أنه قام إلى الصلاة في وقت السحر فلما فرغ رفع يديه وقال: اللهم اغفر لي جزعي على يوسف وقلة صبري عنه واغفر لولدي ما أتوا إلى أخيهم فأوحي إليه أن الله قد غفر لك ولهم أجمعين.

وروي أنهم قالوا له- وقد علتهم الكآبة- وما يغني عنا عفوكما إن لم يعف عنا ربنا فإن لم يوح إليك بالعفو فلا قرت لنا عين أبدا. فاستقبل الشيخ القبلة قائما يدعو وقام يوسف خلفه يؤمن وقاموا خلفهما أذلة خاشعين عشرين سنة حتى جهدوا وظنوا أنهم هلكوا نزل جبريل فقال: إن الله قد أجاب دعوتك في ولدك وعقد مواثيقهم بعدك على النبوة.

واختلاف الناس في نبوتهم مشهور،

يحكى أنه وجه يوسف إلى أبيه جهازا ومائتي راحلة ليتجهز إليه بمن معه، وخرج يوسف والملك في أربعة آلاف من الجند والعظماء وأهل مصر بأجمعهم فتلقوا يعقوب وهو يمشي ويتوكأ على يهوذا، فنظر إلى الخيل والناس فقال: يا يهوذا أهذا فرعون مصر؟ قال: لا هذا ولدك. فلما لقيه قال يعقوب: السلام عليك يا مذهب الأحزان. فأجابه يوسف وقال: يا أبت بكيت حتى ذهب بصرك ألم تعلم

<<  <  ج: ص:  >  >>