للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن القيامة تجمعنا؟ قال: بلى ولكن خشيت أن تسلب دينك فيحال بيني وبينك.

ومعنى آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ ضمهما إليه واعتنقهما. قال ابن إسحق: كانت أمه باقية إلى ذلك الوقت أو ماتت إلا أن الله تعالى أحياها ونشرها من قبرها تحقيقا لرؤيا يوسف. وقيل: المراد بأبويه أبوه وخالته لأن أمه ماتت في النفاس بأخيه بنيامين حتى قيل إن بنيامين بالعبرية ابن الوجع، ولما توفيت أمه تزوج أبوه بخالته فسماها الله تعالى أحد الأبوين لأن الخالة تدعى أما لقيامها مقام الأم، أو لأن الخالة أم كما أن العم أب فكيف وقد اجتمع هاهنا الأمران.

قال السدي: كان دخولهم على يوسف قبل دخولهم على مصر كأنه حين استقبلهم نزل لأجلهم في خيمة أو بيت هناك فدخلوا عليه وضم إليه أبويه وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ فعلى هذا جاز أن يكون الاستثناء عائدا إلى الدخول. وعن ابن عباس: ادخلوا مصر أي أقيموا بها. وقوله: إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ تعلق بالدخول المكيف بالأمن فكأنه قيل: اسلموا وأمنوا في دخولكم وإقامتكم إن شاء الله وجواب الشرط بالحقيقة محذوف والتقدير ادخلوا مصر آمنين إن شاء الله دخلتم آمنين، أراد الأمن على أنفسهم وأموالهم وأهليهم بحيث لا يخافون أحدا وكانوا فيما سلف يخافون ملك مصر، أو أراد الأمن من القحط والشدة أو من تعييره إياهم بالجرم السالف.

وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ السرير الرفيع الذي كان يجلس عليه وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً لسائل أن يقول: السجود لا يجوز لغير الله فكيف سجدوا ليوسف؟ وأيضا تعظيم الأبوين تالي تعظيم الله سبحانه فمن أين جاز سجدة أبويه له؟ والجواب عن ابن عباس في رواية عطاء أن المراد خرّوا لأجل وجدانه سجدا لله فكانت سجدة الشكر لله سبحانه، وكذا التأويل في قوله: وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ [يوسف: ٤] أي أنها سجدت لله تعالى لأجل طلب مصلحتي وإعلاء منصبي. وأحسن من هذا أن يقال: إنهم جعلوا يوسف كالقبلة وسجدوا لله شكرا على لقائه، أو يراد بالسجدة التواضع التام على ما كانت عادتهم في ذلك الزمان من التحية، ولعلها ما كانت إلا انحناء دون تعفير الجبهة.

واعترض على هذا الوجه بأن لفظ الخرور يأباه. وأجيب بأن الخرور قد يعني به المرور قال تعالى: لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً [الفرقان: ٧٣] أي لم يمروا. وقيل: الضمير عائد إلى إخوته فقط. ورد بأن قوله: هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ من قبل ينبو عنه. وأجيب بأن التعبير لا يلزم أن يكون مطابقا للرؤيا من كل الوجوه فيحتمل أن تكون السجدة في حق الإخوة التواضع التام، وفي حق أبويه مجرد ذهابهما من كنعان إلى مصر، ففيه تعظيم تام للولد. وقيل: إنما سجد الأبوان لئلا تحمل الأنفة إخوته على عدم السجود فيصير سببا

<<  <  ج: ص:  >  >>