للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في هذه القصة.

قوله: وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ معناه شديد المكر والكيد لأعدائه.

والمماحلة شدة المماكرة ومنه تمحل لكذا إذا تكلف استعمال الحيلة واجتهد فيه، ومحل بفلان إذا كاده وسعى به إلى السلطان ومنه

الحديث: «اللهم اجعله- أي القرآن- لنا شافعا مشفعا ولا تجعله علينا ماحلا مصدّقا» .

ومنه سنة المحل لشدتها وصعوبة أمرها.

وأما عبارات المفسرين فقال مجاهد وقتادة: شديد القوّة. أبو عبيدة: شديد العقوبة.

الحسن: شديد النقمة. وقيل: شديد الحقد ومعناه راجع إلى إرادة إيصال الشر إلى مستحقه مع إخفاء تلك الإرادة عنه. ثم أثنى على نفسه بالحقية وشهد على الأصنام بالبطلان فقال: لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ فأضاف الدعوة إلى الحق الذي هو نقيض الباطل كما تضاف الكلمة إلى الحق والمراد أنه سبحانه يدعى فيستجيب الدعوة إذا أراد فهو حقيق بأن يوجه إليه الدعاء لما في دعوته من الجدوى والنفع بخلاف ما لا فائدة في دعائه. وعن الحسن: الحق هو الله والمعنى له دعوة المدعو الحق الذي يسمع فيجيب ولهذا أجاب النبي صلى الله عليه وسلم في الكافرين حين دعا عليهما. وعن ابن عباس: دعوة الحق قوله لا إله إلا الله.

وقيل: الدعوة العبادة فإن عبادته هي الحق والصدق وقد سلف تحقيق الحق في أوّل هذا الكتاب في تفسير البسملة. وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ أي الآلهة الذين يدعوهم أو يعبدهم الكفار من دون الله. لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إلا استجابة كاستجابة الماء من بسط يديه إليه يطلب منه أن يبلغ فاه والماء جماد لا يشعر به. والحاصل أن الكفار وذلك الطالب كليهما مشترك في الخيبة لاشتراكهما في دعاء الجماد. وقيل: شبهوا في قلة جدوى دعائهم لآلهتهم بمن أراد أن يغرف الماء بيديه ليشربه فبسطهما ناشرا أصابعه فلا جرم لا يبلغ طلبته. ثم أكد خيبتهم بقوله: وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ في ضياع وذهاب عن المنفعة لأنهم إن دعوا الله لا يجيبهم لحقارة أمرهم عنده، وإن دعوا الآلهة لم تستطع إجابتهم.

ثم زاد في الثناء فقال: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فإن كان السجود بمعنى وضع الجبهة فذلك ظاهر في المؤمنين لأنهم يسجدون له طَوْعاً أي بسهولة ونشاط وَكَرْهاً أي على تعب واصطبار ومجاهدة، وأما في حق الكفار فمشكل ووجهه أن يقال: المراد حق له أن يسجد لأجله جميع المكلفين من الملائكة والثقلين فعبر عن الوجوب بالوقوع، وإن كان بمعنى الانقياد والخضوع والاعتراف بالإلهية وترك الامتناع عن نفوذ مشيئته فيهم فلا إشكال نظيره قوله: وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [آل عمران: ٨٣] وقد مر في «آل عمران» أما قوله: وَظِلالُهُمْ فقد قال جمع من المفسرين

<<  <  ج: ص:  >  >>