للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كمجاهد والزجاج وابن الأنباري: لا يبعد أن يخلق الله للظلال أفهاما تسجد بها لله وتخضع له كما جعل للجبال أفهاما حتى اشتغلت بتسبيحه فظل المؤمن يسجد لله طوعا وهو طائع وظل الكافر يسجد لغير الله كرها ويسجد لله طوعا. وقال آخرون: المراد من سجود الظلال تقلصها وامتدادها بحسب ارتفاع الشمس وانحطاطها فهي منقادة مستسلمة لما أتاح الله لها في الأحوال. وتخصيص الغدوّ والآصال بالذكر لغاية ظهورها وازديادها في الوقتين.

ومعنى الغدو والآصال قد مر في آخر «الأعراف» . واعلم أنه سبحانه ذكر آية السجدة في النحل بعبارة أخرى فقال: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ [الآية: ٤٩] لأنه تقدم ذكر ما خلق الله على العموم ولم يكن فيه ذكر الملائكة ولا الإنس بالصريح فعمم ليشمل الإنس وصرح بالملائكة. وقال في «الحج» أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ [الحج: ١٨] بتكرير «من» لأنه تقدم ذكر المؤمنين وسائر الأديان فقدم ذكر مَنْ فِي السَّماواتِ تعظيما لهم ولها وذكر من في الأرض لأنهم هم الذين تقدم ذكرهم. وأما في هذه السورة فقد تقدم ذكر العلويات من الرعد والبرق، ثم ذكر الملائكة وتسبيحهم، ثم انجر الكلام إلى ذكر الأصنام والكفار فبدأ في آية السجدة بذكر من في السموات والأرض وذكر الأرض تبعا ولم يذكر من فيها استخفافا بالكفرة وأصنافهم فتبين أنه أورد كل آية بما لاق بمقامها والله تعالى أعلم بمراده.

ثم أخبر عن التسخير بسؤال التقرير ردّا على عبدة الأصنام فقال: قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وهذه حكاية لاعترافهم لأنهم كانوا يعترفون بأنه الإله الأعظم وهذا كما يقول المناظر لصاحبه: أهذا قولك؟ فإذا قال هذا قولي قال هذا قولك فيحكي إقراره استئنافا منه ثم يقول له: فيلزمك على هذا القول كيت وكيت وذلك قوله: قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ ويجوز أن يكون تلقينا لما ليسوا منكرين له. والهمزة في أَفَاتَّخَذْتُمْ للإنكار والمعنى أبعد أن علمتموه رب السموات والأرض اتخذتم مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ جمادات عجزة عن تحصيل المنافع والمضارّ لأنفسهم فضلا عن غيرهم. وموضع الإنكار أنهم جعلوا ما كان يجب أن يكون سبب التوحيد من العلم والإقرار سبب الإشراك، ثم جعلوا مع ذلك أخس الأشياء مكان أشرف الذوات وهذا جهل لا مزيد عليه فلهذا شبههم بالأعمى وشبه جهالاتهم بالظلمات وأنكر أن يكون شيء منهما مساويا لنقيضه فقال: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ جمع الظلمات ووحد النور لأن السبل المنحرفة غير محصورة والصراط المستقيم واحد. ثم أكد الإنكار المذكور بقوله:

أَمْ جَعَلُوا والمراد بل جعلوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خالقين مثل خلقه فَتَشابَهَ الْخَلْقُ أي خلق

<<  <  ج: ص:  >  >>