للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْباطِلَ أي يضرب الأمثال للحق والباطل ومثله في آخر الآية فاختصر الكلام بأن حذف الأمثال من الأوّل والحق والباطل من الثاني تأكيدا للمقصود مع رعاية الاختصار. ثم شرع في تتميم المثل قائلا فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً نصب على الحال وهو اسم لما ينفيه السيل. يقال: جفأ الوادي بالهمزة جفأ إذا رمى بالقذر والزبد، وكذلك القدر إذا رمت بزبدها عند الغليان وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ حاصل المثل أن الوادي إذا جرى طفا عليه زبد وذلك الزبد يبطل ويبقى الماء النافع في العيون والآبار والأنهار، وكذا الأجساد المتطرقة إذا أديبت لأجل اتخاذ الحلي أو سائر الأمتعة انفصل عنها خبث وزبد فيبطل ويتلاشى ويبقى ذلك الجوهر المنتفع به أزمنة متطاولة. وتطبيق المثل على الحق والباطل أنه سبحانه أنزل من سماء الوحي ماء بيان القرآن فسالت أودية القلوب بقدرها فإن كل قلب إنما يحصل فيه من أنوار علم القرآن ما يليق بذلك القلب على قدر استعداده. ثم إنه يختلط بذلك البيان شكوك وشبهات ولكنها بالآخرة تضمحل ويبقى العلم واليقين، فزبد السيل والفلز مثل للباطل في سرعة اضمحلاله وانسلاخه من المنفعة، والماء والفلز الصافي مثل للحق في البقاء والانتفاع به.

ثم ذكر أحوال السعداء وتبعات الأشقياء فقال لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ أي فيما دعاهم إليه من التوحيد والنبوة والتكاليف الْحُسْنى أي المثوبة الحسنى وهي الجنة وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ مبتدأ آخر خبره الجملة الشرطية بعده. وقيل: إن الكلام متصل بما قبله أي يضرب الله الأمثال لهذين الفريقين. وقوله: الْحُسْنى صفة لمصدر استجابوا أي الاستجابة الحسنى. وقوله: لَوْ أَنَّ لَهُمْ كلام مبتدأ في ذكر ما أعدّ لغير المستجيبين ومن ذلك قوله أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ قال الزجاج: لأن كفرهم أحبط أعمالهم.

وقال غيره: سوء الحساب المناقشة فيه. وعن النخعي: هو أن يحاسب الرجل بذنبه كله لا يغفر منه شيء. وقال الحكماء: هو ظهور آثار الملكات الردية والهيئات الذميمة على النفس ولم يكن قبل ذلك له شعور بها لاشتغاله بعالم الحس. وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ لأنهم أقبلوا على الدنيا وأعرضوا عن المولى فلا جرم إذا ماتوا فارقوا معشوقهم فأورثهم الحرمان والخسران والاحتراق بنار الفراق. ثم أنكر بعد هذه البيانات أن يسوّى بين الناقد والبصير والجاهل الضرير فقال أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أي أن الذي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى

القلب إِنَّما يَتَذَكَّرُ أي لا ينتفع بالأمثال إلا أُولُوا الْأَلْبابِ الذين يعبرون من القشر إلى الباب. ثم وصفهم بقوله: الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ ويجوز أن يكون نصبا على المدح وأن يكون مبتدأ خبره أُولئِكَ أما عهد الله فعن ابن عباس: هو المذكور في

<<  <  ج: ص:  >  >>