للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ [الأعراف: ١٧٢] وقيل: هو كل ما قام عليه دليل عقلي أو سمعي من الأفعال والتروك ولا عهد أوكد من الحجة بدليل أن من حلف على الشيء فإنما يلزمه الوفاء به إذا ثبت بالدليل جوازه وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ تأكيد للوفاء بالعهد بعبارة أخرى تلزم الأولى كقولك: لما وجب وجوده لزم أن يمتنع عدمه. وقيل:

الوفاء بعهد الله إشارة إلى ما كلف الله العبد به ابتداء، وعدم نقض الميثاق أراد به مما التزمه العبد بالنذر. وقيل: الوفاء بالعهد عهد الربوبية والعبودية والميثاق أعم لشموله كل ما وثقوه على أنفسهم وقبلوه من الإيمان بالله ومن سائر المواثيق بينهم وبين الله وبين العباد، والوفاء بالعهد أمر مستحسن في العقول والشرائع كلها

قال صلى الله عليه وسلم: «من عاهد الله فغدر كانت فيه خصلة من النفاق» «١»

وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ إفراد لما بينه وبين العباد بالذكر فقيل: المراد صلة الرحم. وقيل: هو مؤازة النبي صلى الله عليه وسلم ومعاونته ونصرته في الجهاد. وقيل: رعاية جميع حقوق الناس بالشفقة عليهم والنصيحة في كل حال وكل حين ومن ذلك عيادة المريض وشهود الجنائز ومراعاة الرفقاء والجيران والخدم ومن يطيف به حتى الهرة والدجاجة وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وإن أتوا بكل ما قدروا عليه في باب التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله خوفا من وعيده كله وَيَخافُونَ خصوصا سُوءَ الْحِسابِ ويلزم ذلك أن يحاسبوا أنفسهم قبل أن يحاسبوا. وقيل: الخشية نوعان: خشية الجلال كالعبد إذا حضر بين يدي السلطان ومن ذلك خشية الملائكة يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ [النحل: ٥٠] وإلى هذا أشار بقوله: وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وخشية أن يقع في العبادة خلل أو نقص يوجب فسادها أو نقصان ثوابها. وإليه الإشارة بقوله: وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ.

وَالَّذِينَ صَبَرُوا عن المعاصي وعلى الطاعات وعلى المصائب ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ لا لأجل أن يقال ما أورعه وما أزهده وما أصبره وغير ذلك من الأغراض الفاسدة، وإنما يصبر على التكاليف لأنها أحكام المعبود الحق ويصبر على الرزايا لأنها قسمة قسام متصرف في ملكه كيف يشاء، أو لأنه مشغول بالمقدر والقاضي لا بالقدر والقضاء. وقد يرضى العاشق بالضرب والإيلام لالتذاذه بالنظر إلى وجه معشوقه فهكذا العارف يصبر على البلايا والمحن لاستغراقه في بحر العرفان وفيضان أنوار المعروف عليه. وَأَقامُوا


(١)
رواه البخاري في كتاب الإيمان باب: ٢٤. مسلم في كتاب الإيمان حديث: ١٠٦. أبو داود في كتاب السنّة باب: ١٥. الترمذي في كتاب الإيمان باب: ١٤. النسائي في كتاب الإيمان باب:
٢٠. أحمد في مسنده (٢/ ١٨٩، ١٩٨) بلفظ: «أربع من كن فيه كان منافقا أو كانت فيه خصلة من الأربع كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها..... وإذا عاهد غدر» .

<<  <  ج: ص:  >  >>