للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّلاةَ ولا يمتنع دخول النوافل فيها لقوله: «ما زال العبد يتقرّب إلي بالنوافل حتى أحببته» «١» . وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يتناول النفل لأنه في السر أفضل، والفرض لأنه في الجهر أفضل كما مر في أواخر سورة البقرة وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أي يدفعون بالتوبة وهي الخصلة الحسنة المعصية.

قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل «إذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة تمحها» «٢» .

وقيل لا يقابلون الشر بالشر وإنما يقابلونه بالخير كما روي عن الحسن: إذا حرموا أعطوا، وإذا ظلموا عفوا، وإذا قطعوا وصلوا. وعن ابن عباس: يدفعون بالحسن من الكلام ما يرد عليهم من سيىء غيرهم. يروى أن شقيق بن إبراهيم البلخي دخل على عبد الله بن المبارك متفكرا فقال: من أين أتيت؟ قال: من بلخ.

فقال: وهل تعرف شقيقا؟ فقال: نعم. فقال: كيف طريقة أصحابه؟ فقال: إذا منعوا صبروا وإذا أعطوا شكروا فقال عبد الله: هكذا طريقة كلابنا، وإنما الكاملون الذين إذا منعوا شكروا وإذا أعطوا آثروا. وقيل: مراد الآية أنهم إذا رأوا منكرا أمروا بتغييره أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ عاقبة الدنيا وهي الجنة التي أرادها الله تعالى أن تكون مرجع أهلها.

والعقبى مصدر كالعاقبة ومثله البشرى والقربى، ويجوز أن يكون مضافا إلى الفاعل والمعنى أولئك لهم أن يعقب أعمالهم الدار التي هي الجنة. ومعنى جَنَّاتُ عَدْنٍ تقدم في سورة براءة وَمَنْ صَلَحَ معطوف على فاعل يَدْخُلُونَها ويجوز أن يكون مفعولا معه. قال ابن عباس: يريد من صدق بما صدقوا به وإن لم يعمل مثل أعمالهم. وقال الزجاج: بين أن الأنساب لا تنفع إذا لم يحصل معها أعمال صالحة. قال الواحدي:

والأول أصح لأن الله تعالى جعل من ثواب المطيع سروره بحضور أهله معه في الجنة فلو دخلوها بأعمالهم الصالحة لم يكن في ذلك كرامة للمطيع، ويمكن أن يوجه قول الزجاج بأن المقصود بشارة المؤمن بأن أهل الصلاح من أصوله وفصوله وأزواجه يجتمعون به في دار الثواب فقد يمكن أن يكونوا جميعا في الجنة ولا يجتمعون في موضع. ولقائل أن يقول: الدخول أعم من الاجتماع ولا دلالة للعام على الخاص فصح اعتراض الواحدي.

والآباء جمع أبوي كل واحد منهم فكأنه قيل: من آبائهم وأمهاتهم. وليس في الآية ما يدل على التمييز بين زوجه وزوجة ولعل الأولى من مات عنها أو ماتت عنه ويؤيده ما

روي عن سودة أنه لما هم رسول الله صلى الله عليه وسلم بطلاقها قالت: دعني يا رسول الله أحشر في زمرة نسائك.


(١) رواه البخاري في كتاب الرقاق باب: ٣٨.
(٢) رواه الترمذي في كتاب البر باب: ٥٥. الدارمي في كتاب الرقاق باب: ٧٤. أحمد في مسنده (٥/ ١٥٣، ١٥٨) . [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>