للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَرْسَلْنا الآية.

وفيه أن الرسل كانوا من جنس البشر لا من جنس الملك وما كان لهم نقص من قبل الزواج والولاد فقد كان لسليمان ثلاثمائة امرأة منكوحة وسبعمائة سرية، ولداود مائة، وذراري يعقوب أكثر من أن تحصى، وكانوا يقترحون الآيات فأجاب الله تعالى عنه بقوله: وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ولا بد لكل نبي من معجز واحد والزائد على ذلك بل أصل النبوة وتعيين المعجز الواحد مفوض إلى مشيئته سبحانه ولا حكم لأحد عليه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخوفهم بنزول العذاب وظهور نصرة الإسلام وذويه فكانوا يكذبونه ويستبطئون موعده فأجيبوا بقوله: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ أي لكل وقت حكم مكتوب وحادث معين لا يتأخر ذلك الحكم والحادث عنه ولا يتقدم عليه. وقيل:

هذا على القلب أي لكل مكتوب وقت معين. والتحقيق أنه لا حاجة إلى ارتكاب القلب لأن المعية تقتضي التلازم وكانوا ينكرون النسخ في الشرائع وفي التكاليف فنزل: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ أي يثبته فاستغنى بالصريح عن الكناية. والمحو ذهاب أثر الكتابة ونحوها. وفي الآية قولان: الأول

أنها عامة وأنه سبحانه يمحو من الرزق ويزيد فيه وكذا القول في الأجل والسعادة والشقاوة والإيمان والكفر وهو مذهب عمر وابن مسعود، وقد رواه جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والذاهبون إليه كانوا يدعون ويتضرعون إلى الله في أن يجعلهم سعداء إن كانوا أشقياء وهذا لا ينافي

قوله: «جف القلم» «١»

لأن المحو والإثبات أيضا من جملة ما قضى به. الثاني أنها خاصة في بعض الأشياء فقيل: أراد نسخ حكم وإثبات آخر مكانه وقد مر تمام البحث في النسخ في «البقرة» في قوله: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ [الآية: ١٠٦] . وقيل: يمحو من ديوان الحفظة ما ليس بحسنة ولا سيئة لأنهم مأمورون بكتب كل قول وفعل ويثبت غيره. واعترض الأصم عليه بأنه ينافي قوله تعالى مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها [الكهف: ٤٩] وأجاب القاضي بأن المراد صغائر الذنوب وكبائرها. ورد بأن هذا اصطلاح المتكلمين والمفهوم اللغوي أعم فيتناول المباحات أيضا. وقيل: يمحو بالتوبة ما يشاء من الكفر والمعاصي ويثبت بدلها الحسنة كقوله: فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ [الفرقان: ٧٠] . وقيل: يثبت في أول السنة أحكام تلك السنة فإذا مضت السنة محيت ويثبت كتاب آخر للمستقبل.

وقيل: يمحو نور القمر ويثبت نور الشمس أو يمحو الدنيا ويثبت الآخرة. أما قوله:

وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ أي أصله فقيل: هو اللوح المحفوظ.

عن النبي صلى الله عليه وسلم: «كان الله ولا


(١)
رواه البخاري في كتاب القدر باب: ٢. الترمذي في كتاب الإيمان باب: ١٨. ابن ماجه في كتاب المقدمة باب: ١٠. أحمد في مسنده (٢/ ١٧٦، ١٩٧) بلفظ: «جفّ القلم على علم الله» .

<<  <  ج: ص:  >  >>