شيء ثم خلق اللوح المحفوظ وأثبت فيه أحوال جميع الخلق إلى يوم القيامة»
فعلى هذا عند الله كتابان: أحدهما اللوح المحفوظ وإنه لا يتغير، وثانيهما الذي تكتبه الملائكة على الخلق وهو محل المحو والإثبات.
روى أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم:«إن الله سبحانه في ثلاث ساعات بقين من الليل ينظر في الكتاب الذي لا ينظر فيه أحد غيره فيمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء» .
وقيل: هو علم الله تعالى المتعلق بجميع الموجودات والمعلومات وإنه لا يتغير ولا يتبدل بتغير المتزمنات وتبدلها، وقد مر تحقيقه في مواضع.
ولما بين كيفية انطباق الحوادث على أوقاتها قال: وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ يعني كيفما دارت الحال أريناك مصارعهم وما وعدناهم من العذاب أو توفيناك قبل ذلك، فليس يجب عليك إلا التبليغ وما حسابهم وما جزاؤهم إلا علينا. والبلاغ بمعنى التبليغ كالسلام والكلام. ثم ذكر أن آثار حصول تلك المواعيد وأماراتها قد ظهرت وقربت وأن تباشير الظفر قد طلعت ولاحت فقال: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ يعني إتيان القهر والغلبة بدليل نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها والأرض أرض مكة كان المسلمون ينالون من أهاليها ونواحيها في البعوث والسرايا والجيوش، والآن صارت الأرض أعم وأشمل ولله الحمد على إعلاء شأن المسلمين زاده الله علوا، فلا يزال ينقص شيء من ديار الكفر ويريد في بلاد الإسلام.
ونقل عن ابن عباس أن المراد بنقص أطراف الأرض موت أشرافها وكبرائها وعلمائها وصلحائها. قال الواحدي: الأليق بالمقام هو القول الأول. وقد يوجه الثاني بأنه أراد أنهم إذا شاهدوا هذه التغيرات فما الذي يؤمنهم أن يقلب الله عليهم الأمر فيجعلهم أذلة مغلوبين بعد أن كانوا أعزة غالبين. ثم أكد هذا المعنى بقوله: وَاللَّهُ يَحْكُمُ ومحل لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ نصب على الحال والمعقب الذي يكر على الشيء فيبطله وذلك أنه يعقبه بالرد والإبطال فكأنه قيل: والله يحكم نافذا حكمه. وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ عن ابن عباس: هو سريع الانتقام فيعاقبهم في الدنيا ثم في الآخرة. ثم سلى نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ برسلهم كنمرود بإبراهيم وفرعون بموسى واليهود بعيسى. فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً. قال الواحدي: لأن مكر جميع الماكرين بتخليقه وإرادته ولأنه لا يضر إلا بإذنه ولا يؤثر إلا بتقديره. وقالت المعتزلة: إنه جعل مكرهم كلا مكر بالإضافة إلى مكره.
وقيل: أراد فلله جزاء مكر الماكرين. قال الواحدي: والقول الأوّل أظهر بدليل قوله:
يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ يريد أن أكسابها بأسرها معلومة لله تعالى وخلاف معلومه ممتنع الوقوع فلا يقدر العبد على خلاف معلومه. وناقضت المعتزلة بأنه أثبت لكل نفس كسبا فدل على أنه مقدور العبد. وأجيب بأن المقتضي للفعل عندنا هو مجموع القدرة